آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

هَرْطَقَة أم عودة برّاقة

ليلى الزاهر *

كلّما تشعّبت ثقافة الإنسان وضع لنفسه نظريات خاصة تقابل ركام الحضارات المتعددة من منظوره الخاص.

أريد أن أصحبكم في نزهة تاريخية امتّدت من القرن الخامس حتّى القرن الخامس عشر الميلادي هي فترة القرون الوسطى في التاريخ الأوربي حيث حارب رجال الكنيسة الكاثولوكية جميع العلوم الإنسانية فكان داء الكوليرا والجدري إرادة إلهية لا يمكن اعتراض سيرها. تمشي على غير استحياء حاصدة أرواح الناس. وعندما اكتشف أحد الأطباء لقاحا لها ألقت عليه جماعة كاثولوكية قنبلة في منزله.

ولم يترك رجال الكنيسة حتى الموتى من العلماء فعندما سمعوا بأن العالم المتوفي «وكليف» يقول بأن عمر الأرض أكثر بمئات السنين أخرجوا جثمانه من قبره وطحنوا رفاته ثم نثروها في البحر حتى لا تنجس الأرض على حد زعمهم

كان معتنقو الكاثوليكية وهي أكبر طوائف الدين المسيحية يحاربون جميع أدوات البحث العلمي، ويرتكبون الجرائم في حق العلم والإنسانية، فتلاشت جميع المكتشفات العلمية وانبثقت تُهم السحر والهرطقة تلاحق العلماء والمستكشفين.

من جهة أخرى وعلى النقيض تماما من تلك الحالة الفكرية التي عمّت أوربا عاش العرب في أوج حضارتهم ملوكا للعلم والمعرفة، لقد اصطدمت حضارتهم بالتخلف الأوربي آنذاك. وذاعت مكانتهم العلمية في عصر الجهل الذي انكفأ على نفسه.

أشرقت العلوم العربية وبددت أوكار الجهل، وشعّت شمس المعرفة بين ظهرانيهم في عصر أطلق عليه المؤرخون بالعصر الذهبي الذي امتدّ من القرن الثامن الميلادي إلى القرن الخامس عشر الميلادي.

لقد شقّ العربي صفوف البشرية بعلمه فظهرت شريحة كبرى من العلماء والفلاسفة والشعراء وحلقوا في سماء الإبداع العلمي.

وقبل أن ينزف التاريخ ذلك التّقدّم الزاهر كانت بصمته المشرقة تركت آثارا عظيمة في البقاع الأوربية. ولابد أن تعود ذكرياتي للقصيدة الجميلة المُدرجة في المناهج المدرسية التي ترثي تاريخ المسلمين العرب في الأندلس في حقبة زمنية تخللها تاريخ حافل بالإنجاز وهي القصيدة النونية التي نظمها الشاعر الأندلسي أبو البقاء الرندي عام 1267 ميلادي.

وخلاصة حديثي الذي غلّفته بأوشحة الأمل رغبتي الجامحة في عودة ذلك العربي، راويًا أمجاد آبائه وأجداده، ولعلنا نحفر في تراب التفاؤل راجين من الله تعالى أن يسدد خطى الأطباء العرب وغير العرب لوضع علاج ينقذ البشرية من هذا الصراع الذي بات يهدد أمنها

لقد ترددت أنباء كثيرة حول أطباء عرب يبحثون بجد وإصرار في محاولة لإيجاد علاج يقدمونه للبشرية للخلاص من هذه الجائحة العالمية‏ «covid - 19» وربما نجحوا وأثبتوا كفاءة مُنقذة. وعندما سمعت تلك الأخبار على إحدى الفضائيات لاحت لي بشائر الخير لعودة مجيدة برّاقة ولست هرطقة من عهود بائدة. وربما كانت شعلة تحفيزية ذاتية تمنحنا الأمل بعودة حياة جميلة تخلو من الحروب البيولوجية التي غطّت العالم بسحائب اليأس.

كما نتمنى لجميع العلماء قوة تحفيزية نابعة من ذواتهم، طاردة للخيبات وملْهِمة لأحلام ننتظرها بأرض الواقع.

‏إنّ التحفيز الذاتي لنفسك يمنحك شعور الأمراء لأنه فعّال يهبك القدرة على خوض المستحيل.