آخر تحديث: 25 / 4 / 2024م - 10:23 ص

كورونا.. التجول

محمد أحمد التاروتي *

التأقلم مع ظرف كورونا يمثل حالة طبيعية من جانب، ومن جانب اخر يعتبر انسجاما مع التحركات الحثيثة، لحماية الانفس من الوقوع فريسة سهلة في براثن الفيروس القاتل، فالعدو ”الخفي“ استطاع بث الرعب والخوف في النفوس، وكذلك تمكن من تحريك الجميع باتجاه توحيد الجهود، للسيطرة على الوضع الخطير.

التحركات العالمية لم تقتصر على الاطار الصحي، عبر تسخير جميع الإمكانيات الطبية لتوفير الرعاية الصحية، وانما شملت مختلف أنواع الحماية لتقليل الاضرار المترتبة، على انتشار الفيروس في الوسط الاجتماعي، بحيث تجلت تلك التحركات في الضخ الإعلامي الكبير، وتوجيه الموارد المالية، لتقليص الاثار السلبية الناجمة عن العدو ”الخفي“، وبالتالي فان الانسجام مع تلك الجهود خطوة أساسية في المرحلة الراهنة، والفترة الحرجة في الوقت نفسه.

الإجراءات الصارمة المتخذة لمنع التجول، لا تدخل ضمن اطار تقييد حرية التحرك، والحبس القسري في المنازل لساعات طويلة، بقدر ما يدخل في باب ”الوقاية خير من العلاج“، فالعقل يحث على حماية النفس من القائها في التهلكة، لاسيما وان استمرار الاختلاط يمثل خطورة كبرى ليس على الصعيد الفردي، وانما تشمل مختلف الشرائح الاجتماعية، مما يفرض اتخاد الخطوات القادرة على الحد من انتشار الفيروس، فالخطورة تكمن في سرعة انتقال ”كورونا“ بشكل غير مسبوق، بالمقارنة مع الفيروسات الأخرى، فضلا عن قدرته على تعطيل الجهاز التنفسي لدى كبار السن، وأصحاب الامراض المزمنة.

منع التجول واقع جديد على المجتمع، خلال العقود السبعة الماضية، فالوسط الاجتماعي لم يعش هكذا تجربة على الاطلاق، مما يجعل استقبال الظرف الطارئ متفاوتا تبعا لنوعية الثقافة، والقدرة على التكيف مع الوضع الجديد، الامر الذي يفسر القدرة على استيعاب قرارات منع التجول لدى البعض بمجرد صدورها، نظرا لما تمثله من أهمية كبرى في حصر، وتطويق تداعيات مرض كورونا، فيما البعض احتاج الى بعض الوقت للتعامل بطريقة مناسبة مع عملية البقاء في المنازل، خصوصا وان المستوى الثقافي يشكل عنصرا أساسيا، في بلورة طريقة التعامل مع قرارات منع التجول.

محاولة كسر منع التجول لا تخدم الجهود الكبيرة المبذولة، بمختلف الجهات الرسمية والاجتماعية، خصوصا وان الاثار المترتبة على التجول في الطرقات، لا تدخل ضمن الحرية الشخصية بالمطلق، بقدر ما تنتهك الصحة العامة، ونشر المرض في الأوساط الاجتماعية، وبالتالي فان التعامل بمسؤولية كاملة مع حيثيات منع التجول، يسهم في إيصال الرسالة بشكل واضح للجميع، فالمسألة لا تستهدف التعدي على الحرية الشخصية، وانما تهدف لحماية الجميع من الإصابة بالمرض، فالتعامل بسلبية يخلق مشكلة اجتماعية يصعب السيطرة عليها.

المعالجات على اختلافها ستكون غير فعالة، بمجرد استفحال الامر وانهيار المنظومة الصحية، بحيث يصعب تقديم الخدمات العلاجية لعشرات الالاف، نظرا لمحدودية الطاقة الاستيعابية المستشفيات، وبالتالي عدم قدرة الطواقم الطبية في احتواء الوضع المتفاقم، بمعنى اخر، فان منع التجول يشكل الخيار المناسب في الظروف غير الطبيعية، فالسيطرة على الأمور في البداية اكثر فعالية، من التراخي وعدم التحرك، عبر وضع الخطط المناسبة، لمواجهة الخطر الداهم، لاسيما وان الجميع يشاهد الانهيار الكبير للعديد من الدول العالمية، نظرا لطريقة التعاطي مع الفيروس في البداية، وعدم اتخاذ الإجراءات الصارمة، بحيث انعكس على اجمالي الضحايا بشكل يومي.

زمن الترفيه في عصر كورونا بات من الماضي، فالظرف الاستثنائي يستدعي وضع برنامجا مغايرا تماما عن الأوضاع الاعتيادية، خصوصا وان الجميع في حالة طوارئ قصوى، مما يشكل دافعا لاتخاذ الأوضاع الاستثنائية بشكل عام، فالعملية لا تقتصر على مخاطر بسيطة، بقدر ما تعكس مستقبل المجتمع بشكل كامل، وبالتالي فان قرار منع التجول يصب في خدمة الصحة العامة، باعتبارها الهدف الاسمي وراء اتخاذ القرارات الصعبة في المرحلة الحالية.

بكلمة، ان فيروس كورونا يشكل منعطفا خطيرا في المسيرة الإنسانية، نظرا لقدرته الفائقة على حصد الأرواح، مما يتطلب التعامل بواقعية مع الوضع الراهن، بهدف الخروج من الازمة باقل الخسائر، من خلال التعاون الكامل مع الجهود الكبيرة المبذولة، من مختلف الجهات الحكومية والاهلية.

كاتب صحفي