آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 11:37 ص

ناطر ليل العيد!

دعائي أن يكون عيد فطركم أبيض من اللبن وأنعم من الحرير وأحلى من المنّ، كل ذلك في الدنيا وفي الآخرة أنتم من الذين ”لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ ? نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا“.

أجمل ما في مساءِ يوم العيد حين يجتمع الصغار، يخرجون تلك الريالات ويَعدونها وترتفع الأصوات والجدل، أنا أكثر، أنا أكثر. في الواقع هي كيفية تعبيرهم عن مكانتهم ومعزتهم عند الأب أو الجد التي جلبت لهم نقوداً أكثر من غيرهم، فبمقدار مكانتهم كانت العطية. لكن ما لا يدركه الصغار أن حجرات قلب الأب والجد لا يستطيعون عدها وفي كل حجرةٍ منها ساكنٌ طفلٌ أو طفلة، هم هبة الله له وعصارة حياته وامتدادها بعد رحيله. هم حبات قمحٍ تنتظر مرور الأيامِ لتكبر وتكون سنابلَ عطاء متجدد.

يتوج يومُ العيد أيامَ شهر رمضان ويزينها، لكن هناك أيضا إنسانًا زيَّن وجوده العائلةَ والمائدةَ الرمضانية ويزين أيضا يومَ العيد. هو الرجل وكبير العائلة والأب. هو الشخص الذي يجري نحوه الصغار والكبار في يوم العيد ويجتمعون حوله والكل يرجو ”العيدية“. قرب يوم العيد فإن كنت أباً أو جدَّا فلا بد أنك فكرت في العيدية. ولأنك صمتَ شهرَ رمضان صابراً محتسباً فاطلب عيديتك من الله، أما الصغار والفقراء فَعيديتهم من عندك.

العيدية هي عادةٌ إسلامية سنوية وسُنَّة جرت في مجتمعنا أيضا، وتكون في الغالب نقود تعطى للأطفال في يوم عيدِ الفطر وفي يوم عيد الأضحى. ما إن يقترب يوم العيد إلا وترى الأب يبحث عن الجديدِ من الريالات في المصارف والأسواق، مع أن قيمتها المادية لن تختلف عن الريالات المستخدمة، لكن هيهات أن يكون إحساس الطفل الصغير ذاته في كلتا الحالتين، ولن يقبل الأب أن يلحق الأذى بتلك الأحاسيس.

يطلع فجر اليوم الأول من شهر شوال أو العاشر من ذي الحجة حيث يذهب الرجال إلى صلاة العيد وعندما تنتهي الصلاة يعودون إلى منازلهم ويكون حينها الأطفال سعداء أكثر في ملابسهم الجديدة، وعينهم على يد الوالد أو الجد وجيبه، فحين تمتد اليد نحو الجيب لن تعود إلا بتلك القراطيس المزركشة والتي يمكنها أن تشتري مزيداً من الحلوى واللعب الجميلة. مشاعر وأحاسيس كلنا عشناها وبقي الجميل من ذكراها.

ريالات يعرف فيها الصغير كم في الكبيرِ من لطف، وكم فيه من محبة وكرم يد، وكم فيه من أخلاق الرب، وإن لم يعرف كم يملك الأب من المال فهو في نظر ابنه وابنته على كلِّ شيء قدير! صفاتٌ تدخل السرور في حجرات قلب الطفل قال عنها النبي محمد ﷺ: ”من فرح ابنته فكأنما أعتقَ رقبة من ولد إسماعيل، ومن أقر عينَ ابن فكأنما بكى من خشيةِ الله“.

لا يغفل الأب أيضا أن يعطي الفقيرَ ما يفرحه يوم العيد، فهو يعرف أن فريضةَ الصوم كمالها وتمامها في زكاتها. كل هذا ليكون العيد في ديننا وعاداتنا يومَ بهجةٍ  وسعادة للغني والفقير والصغير والكبير على حدٍّ سواء.

في يوم العيد كلنا فقراء وصغار في انتظار المدد من الله أن يبقينا لعيدٍ آخر، أعود أنا وتعود معي نسكب على الورقِ ما يفيض من كلماتِ المودة، لعلها تسري في نفوسنا وتجلب لنا السكينةَ والراحةَ والطمأنينة.

مستشار أعلى هندسة بترول