آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 11:39 م

الحراك الثقافي التقني بزمن كورونا

علي عيسى الوباري *

من فوائد الأزمات أنها توجهك إلى شيء موجود لكنه معطل لديك أو مغفول عنه في الحالات الطبيعية، لا تهتم ولا تلجأ إلى وسائل وأدوات ما دام الأوضاع طبيعية وتعيش بدون عقبات، مثال ذلك أدوات الرياضة تستعمل بعد زيادة الوزن أو السمنة أو المرض، الأزمات من طبيعة الحياة التي لها فوائد للبشر تضعهم أمام تحديات وتقفز بهم إلى ما هو أفضل في أغلب الأحيان بل تجعلهم في صراع مع واقعهم والطبيعة ليبدعوا، ما فرضه الحجر الصحي في جائحة فيروس كورونا من هذا النوع من الأزمات، جعلت المجتمع في زمن حرج واستثناء وخصوصا النشطاء الاجتماعيون واصحاب الحراك الأدبي والثقافي الذين وجدوا أنفسهم في واقع مقيدة حركتهم الميدانية لكن مع وجود البدائل المغفول عنها تكنولوجيا الاتصال التي سهلت للمهتمين والنشطاء والمثقفين استثمار وقت الحجر الصحي، فرصة للانتقال لما هو موجود ومتاح، مثل تفعيل أدوات التواصل الاجتماعي والتطبيقات التقنية مثل انستغرام، ويوتوب ودو وزووم وبلاك بورد في إقامة نشاطات ثقافية واجتماعية، إضافة باستعمالها في التواصل العائلي.

مع أن هذه التطبيقات التقنية مستخدمة سابقا لكن انتشرت بشكل أوسع بزمن جائحة كورونا والحجر الصحي، فهي فرصة لأستغلال الوقت بشكل مفيد وللتثقيف وللتوعية في مواضيع عديدة مثل الاقتصاد العائلي والتوعية الصحية والارشاد التعليمي إضافة إقامة مسابقات ودورات تنمية المهارات متنوعة مثل اللغات وما يتعلق ببرامج الكمبيوتر.

التعامل والتفاعل مع تكنولوجيا الاتصال الحديثة خصوصا تطبيقات الندوات والمحاضرات وفصول الدراسة الافتراضية ستعزز العلاقة بين الأشخاص والتقنية، ستخلق انسجاما وولاءً اقوى مع الثقافة التقنية وأدوات التواصل الاجتماعي، سيشعر الأفراد بنوع من الراحة وحرية التعاطي الثقافي مع الآخر بأي موقع وبأي زمن، هذه المنصات الألكترونية هي مسرح افتراضي رغم أنها تفتقر للتشاعر والاحساس بلغة الجسد والتفاعل المباشر لكنها بديل مقنع ومحفز في وقت استثنائي.

التعامل مع التطبيقات التقنية في المحاضرات والندوات ستخلق قيما ثقافية واجتماعية جديدة خصوصا لجيل الشباب ومن يعيش في وسطها ويتابع تطورها بشغف وبأنبهار في التعليم والتدريب وببيئة الأعمال، الوسائط الرقمية يمكن تعتبر عند الأغلب بدائل بالوقت الحاضر لكنها ستكون أداة طبيعية ومألوفة في التعليم واستخدامها أكثر في عالم الأعمال في المستقبل، ستنتقل من البدائل المكملة إلى الضرورة التي لا غنى عنها.

في تقديم المحاضرات والندوات الثقافية والتوعوية «أو ما يسمى بالصالونات الثقافية الافتراضية» يقل تأثير الخطيب والمحاضر الرمز الذي يبهر الحضور في طريقة تقديمه وأسلوب خطابه، تتدنى الهالة الجسمية للمرسل وينخفض مستوى التفاعل ويقل مستوى الحماس والانجذاب نحو المحاضر والمقدم، حتى لو أنه يقدم من خلال مسرح وجمهور افتراضي، من الصعب أن يكون بنفس خصائص الحضور الجسدي في حيز محدود تنسجم الكلمة مع نغمة الصوت ويشعر الجمهور بحرارة وحماس المقدم ولغة جسده، لكن هذه آثار مفهوم التواصل ومهارات الاتصال بعد الانتقال من مرحلة الخطاب والكلمة الجماهيرية المشتركة التي كان المرسل هو الأكثر تأثيرا في عناصر الاتصال، أما في تطبيقات الانترنت أصبحت أداة الاتصال ومؤثراتها هي أكثر جاذبية في المتلقيين.

بالرغم من أن تطبيقات الانترنت الاتصالية المتنوعة والمتعددة في الندوات والمحاضرات والاجتماعات حديثة نسبيا ويتخللها الخلل والضعف والاختراقات حتى أن بعض شركات التطبيقات تعمل على تطويرها واصلاح ما بها من أعطال.

بعض المحاضرات والجلسات الثقافية قُدمت بما يتوافق مع تطبيقات الانترنت مصحوبة بالصور والرسومات البيانية والأشكال التوضيحية وحتى أفلام الفيديو وهذا يصب في صالح وسيلة ورسالة الاتصال على حساب المرسل وتعتبر من الميزات المثيرة في التقديم.

من مميزات التطبيقات التقنية أيضا، يمكن طرح السؤال والحوار بشكل تفاعلي مباشر أو مكتوب والتسجيل اللقاء، وبيد مدير الحوار أو مدير تطبيق الانترنت التحكم في إدارة النقاش والسماح للحاضرين بالمشاركة صوتا وفيديو التي تعتبر سلبية وتدخل في تفاعل المتلقي والتغذية المرتدة.

بدون شك استفاد الكثير من الذين تفاعلوا مع تقنيات الانترنت بموسم رمضان الثقافي وكسبوا منافع عديدة، واعتادوا على مرحلة جديدة والتكيف معها بشكل أفضل، وستصبح هذه التطبيقات التكنولوجية بالاتصال والتواصل «الواقع الثقافي الافتراضي» مستعملة بشكل دائم حين يحسن أداءها، ويشعر مستخدمها بمميزاتها المريحة وسهولة استعمالها.

أن يكون لديك بدائل أفضل من الاعتماد على وسيلة واحدة في التعليم والتدريب والتوعية العامة.

‏مدرب بالكلية التقنية بالأحساء،
رئيس جمعية المنصورة للخدمات الاجتماعية والتنموية سابقا.