الدليل على أفضلية وضع الإعانات النقدية مباشرة في جيوب الفقراء
الدليل على أفضلية وضع الإعانات النقدية مباشرة في جيوب الفقراء
بقلم الدكتورة كيت أوركين،
زميلة أبحاث أولى في الاقتصاد السلوكي في كلية بلافاتنيك الحكومية بجامعة أكسفورد وزميلة أبحاث في كلية ميرتون
The evidence behind putting money directly in the pockets of the poor
12th May 2020
By Dr Kate Orkin
المترجم: عدنان أحمد الحاجي
أسفر كوفيد-19 وعمليات الإغلاق ذات الصلة التي تقودها الحكومات عن صدمة اقتصادية وفقدان وظائف على نطاق واسع في المملكة المتحدة وحول العالم. وقد استجابت الحكومات، بما في ذلك في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، بتدخلات اقتصادية لتخفيف الصدمة. كانت الأداة الحكومية الأكثر استخدامًا هي برامج التحويلات النقدية: وجد البنك الدولي 234 إجراءً يشمل توسيع برامج التحويلات النقدية في جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى 100 مخطط لتوزيع مواد الغذائية أو قسائم.
في الماضي، كانت بعض الحكومات تشعر بالقلق من أن المدفوعات التحويلية «راجع 1 للتعريف» ستزيد من اعتماد المواطنيين على الدولة، وعلى وجه الخصوص، التحويلات النقدية قد لا تستخدم بشكل جيد لأنه من الصعب مراقبة كيف ينفقها الناس. بدلاً من ذلك، استخدمت عدة حكومات تقديم مساعدات غذائية أو دعم المواد الغذائية الأساسية.
فلماذا تحولت الحكومات إلى استخدام النقد في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل؟
في معظم الحالات، هناك أدلة قوية على أن المال النقدي، وليست المواد الغذائية، هو الطريقة الأكثر كفاءة وفعالية لتوزيع مساعدات الطوارئ والبرامج الاجتماعية.
في معظم الحالات، هناك أدلة قوية على أن المال «النقدي»، وليس المراد الغذائية، هو الطريقة الأكثر كفاءة وفعالية لتوزيع مساعدات الطوارئ والبرامج الاجتماعية. هذه المسألة بالذات، عن كيف يستخدم الفقراء التحويلات النقدية، هي واحدة من أكثر المسائل التي تمت دراستها في اقتصاديات التنمية.
قامت وزارة المالية في المكسيك بواحدة من أولى خطط النقد المشروط عام 1997. ولتقييم البرنامج «2»، أجروا تجربة عشوائية. ولم يتمكنوا من طرح البرنامج دفعة واحدة، لذلك اختاروا عشوائياً بعض المجتمعات لتلقي النقد أولاً وقارنوها بأولئك الذين لم يتلقوا النقد. هذه عملية مشابهة لطريقة اختبار الأدوية، ولكن في هذه الحالة باستخدام برنامج اجتماعي. ومنذ ذلك الحين، نفذت حكومات العديد من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل دراسات مماثلة.
لماذا تحولت الحكومات إلى استخدام النقد في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل؟
ينفق الفقراء الإعانات النقدية بشكل جيد. الجزء الأكبر من المدفوعات التحويلية تُنفق على المواد للغدائية على أي حال. على سبيل المثال، وجدت مراجعة لـ 165 دراسة أجراها معهد التنمية الخارجية «3» أن المستفيدين من الإعانات النقدية لديهم تنوع غذائي أفضل ويقل احتمال مواجهتهم لانعدام الأمن الغذائي. وجدت مراجعة للبنك الدولي «4» أن الإعانات النقدية تحسن النمو والتطور الذهني لدى الأطفال الصغار. للنقد أيضًا ميزة إضافية تتمثل في منح الأشخاص الاستقلال الذاتي للإنفاق على ما هم بحاجة ماسة إليه. كما أنه يوقف الاختلالات المنبثقة في الأسواق المحلية، حيث يمكن أن يؤدي جلب الطعام المجاني إلى انخفاض الأسعار مما يضر بالمنتجين المحليين.
النقد السريع في حالات الطوارئ هو استثمار ذكي في التخفيف من الفقر على المدى الطويل
تظهر العديد من الدراسات، من الصين والهند إلى إثيوبيا وملاوي أن الصدمات الاقتصادية لها عواقب وخيمة على المدى الطويل. غالبًا ما تتخذ الأسر الفقيرة قرارات قصيرة المدى تتركها في فقر مدقع طويل المدى «5». القرار الذي هو أكثر ما يخشى منه هو أن تقلل الأسر من نصيب مدخول الأطفال الغذائي «6».
وبغض النظر عن الحجج الأخلاقية، فإن الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية لديهم مستوى أدنى من التحصيل المدرسي ومداخيل أقل طوال حياتهم. وجدت مراجعة للبنك الدولي «4» أن الإعانات المالية تحسن النمو والتطور الذهني والمخرجات اللاحقة في الأطفال الصغار. من الصعب أن تجد استثمارًا أكثر ذكاءًا من هذا.
عندما تواجه الأسر صدمات اقتصادية، قد تدخل النساء في علاقات مقايضة بالجنس «7، وللتعريف، راجع 8»: خلال تفشي المرض في غرب أفريقيا، وجدت دراسة أجرتها منظمة مكافحة الفقر BRAC أن لدى الشابات شركاء رجال أكبر سنًا، ومعدلات حمل أطفال عالية ولم يعدن إلى المدرسة. كلا الاستجابتين «الصدمات الاقتصادية وتفشي المرض» للفقر يمكن تخفيفها من خلال التحويلات النقدية.
ولكن تظهر دراسات أيضًا أنه عند مواجهة صدمة اقتصادية عميقة قصيرة المدى، غالبًا ما تبيع الأسر اليائسة أصولًا منتجة «9» كالأبقار أو المركبات أو الهواتف أو يلجأون إلى مدخراتهم الضئيلة والتي عادةً يستخدمونها للبحث عن عمل. فقدان وسائل الكسب يمكن أن يؤدي إلى سنوات إضافية عديدة من الفقر.
الإعانات النقدية المؤقتة يمكن أن تساعد في التخفيف من الفقر. وجدت دراسات في بنغلاديش وملاوي أن المستفيدين من الإعانات هم أقل احتمالًا لبيع الأصول المنتجة عندما يواجهون صدمات اقتصادية «10».
هناك حكايات عن ملكات الرعاية الاجتماعية «للتعريف، راجع 11»: ينفق الناس أموال الرعاية الاجتماعية بشكل سيئ. لكن هذه الحكايات لا تنم عن الواقع
في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، التحويلات النقدية أيضا في الغالب لا تؤثر على ما إذا كان الناس يعملون وكم يعملون. في بعض الدراسات أدت التي زيادة البحث عن الوظائف لأنها أعطت الناس مالًا ليدفعوا تكاليف التنقل والاتصالات. على سبيل المثال، دراسة واحدة من جنوب أفريقيا وجدت أن الشباب في الأسر التي فيها من يستلم معاش تقاعدي أكثر احتمالًا في العثور على وظائف.
هناك حكايات عن ملكات الرعاية الاجتماعية «11»: حيث الناس ينفقون أموال الرعاية الإجتماعية التي يستلمونها بشكل سيئ. ولكن الحكايات لا تنم عن الواقع في عينات كبيرة من الناس. فليس هناك في الواقع أدلة على تضييع الأموال. مراجعة لـ 19 دراسة من قبل البنك الدولي وجدت أن مستلمي الإعانات النقدية لم يزيدوا في الإنفاق على الكحول والسجائر. في بعض البلدان، والتي تعطي الإعانات النقدية إلى أولياء الأمور، كانت هناك حجج بأن الإعانات كانت حوافز للمرأة في أن تنجب أطفالًا. ولكن هناك القليل من الأدلة الصارمة على ذلك. على سبيل المثال، التجارب في في نيكاراغوا «12» وملاوي «13» وجدت أن المرأة في الأسر هي أقل احتمالًا في أن تكون حاملًا بطفل؛ والتجربة في المكسيك لم تجد أي تأثير.
قد تساعد زيادة الإعانان النقدية أيضًا في تحفيز الاقتصاد. في تجربة في كينيا «14»، المنظمة غير الحكومية المسماة ب ”اعطي مباشرة“ GiveDirectly قيمت برنامج التدخل هذا، في بعض القرى التي تم اختيارها عشوائيًا، تحويلات نقدية معينة. ووجدوا أن الناس الذين يعيشون بالقرب من القرى، حيث استلم أفقر الناس هذه التحويلات النقدية، كان لديهم أيضًا استهلاك عالٍ للمواد الغذائية، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن المتلقين للتحويلات النقدية أنفقوا الأموال في أعمالهم التجارية. لم تكن هناك آثار تضخمية ذات مغزى.
وما هو ملفت للنظر بشكل أكثر هو أن الدراسة تقدر ”المضاعف المالي fiscal multiplier [وهو نسبة التغير في الدخل القومي المنبثق من التغير في مصروفات الحكومة وهو غير المضاعف النقدي money multiplier، راجع 15 للمزيد من المعلومات]“ ب 2,6 في هذه المجال لكينيا، مما يعني أن كل دولار واحد يتم استثماره في محفزات مالية fiscal stimulus [وهي محاولة استخدام سياسات نقدية أو مالية لتحفيز الاقتصاد، راجع 16] سوف يجعل الاقتصاد المحلي ينمو بمقدار 2,60 دولار. وهذا أكبر حتى من مثل هذه المضاعفات multipliers في الولايات المتحدة خلال فترة الركود. كانت هذه التحويلات أكبر بكثير مما تعطيه معظم الحكومات في البلدان الفقيرة، أي ما يعادل حوالي 1800 دولار، لو تم إنفاقها في الولايات المتحدة. لذلك لا نعرف ما إذا كانت نفس التأثيرات تحدث من عمليات التحويلات الأصغر، ولكن من حيث المبدأ قد تعمل الآلية بنفس الطريقة.
عادة ما يكون توزيع النقد أرخص من توزيع المواد الغذائية. غالبًا ما يمكن تحويله إلى حسابات مصرفية أو حسابات مرتبطة بالتلفونات النقالة mobile money. كما انها لا تفسد بالتعفن كما تفسد المواد الغذائية.
توزيع النقد عادة ما يكون أرخص من توزيع المواد الغذائية. غالبًا ما يمكن تحويله إلى حسابات مصرفية أو حسابات مرتبطة بالتلفونات النقالة mobile money accounts.. ولا يفسد بالتعفن كما تفسد المواد الغذائية، ولا داعي للحكومات أن تقلق من وجود نوع النقد الخطأ في المكان الخطأ. هناك مخاوف من أن النقود قد تكون أكثر قابلية للاستبدال ويمكن تحويل استخدامها لأغراض أخرى، ولكن هناك أيضًا أدلة على كيف يمكن منع ”تسربها“ [تسرب النقود من الاقتصاد مما يخلق فجوة في العرض والطلب]، لا سيما من خلال الدفع المباشر للمستفيدين، مما يتطلب التحقق من الهوية البيومترية «17» ويكون واضحًا جدًا بشأن من سيحصل على الفوائد وبحسب أي جدول زمني. من الواضح أنه من الصعب إنشاء هذه الأنظمة من الصفر، ولكن العديد من البلدان لديها هذه الانظمة موجودة بالفعل وجاهزة للإستعمال «18». والنقد أفضل بكثير بالنسبة للتباعد الاجتماعي من قوائم انتظار طرود المواد الغذائية، إذا كان يمكن إرسال هذه التحويلات النقدية إلى حسابات مصرفية.
يمكن أن تكون هناك حالات تكون فيها المعونات الغذائية منطقية أكثر، على سبيل المثال، إذا حدث خلل في سلسلة الإمدادات الغذائية أو إذا ارتفعت الأسعار بسرعة. يقول المستفيدون في بعض الأحيان أنهم يفضلون المواد الغذائية «19». ولكن بشكل عام، من الإنصاف القول أن النظام النقدي يمكن أن يعمل بشكل أفضل من النظام الغذائي.
جنوب أفريقيا مثال حديث مثير للاهتمام. كان لديهم نظام الطرود الغذائية الطارئة قبل أزمة كورونا، ولكن الأعداد كانت أكثر بكثير مما يتحمله النظام فأغرقته بالكامل. لم يتمكنوا من التوسع بسرعة كافية للوصول إلى كل من يحتاج إلى هذه الطرود. أعترفت السلطات في نهاية المطاف بأن نظام طرود المواد الغذائية غير عامل «19»، وبدلاً من ذلك قاموا بزيادة مبلغ المعاش التقاعدي وإعانة الأطفال، حيث سُجل الناس في هذا النظام بالفعل. كما أضافوا مساعدة نقدية جديدة للعاطلين عن العمل.
