آخر تحديث: 29 / 3 / 2024م - 2:48 ص

ثقة أم بلبلة؟

محمد يوسف آل مال الله *

تتعدد الرؤى وتتباين وجهات النظر وتختلف الأقوال حول الكثير من المواضيع الاجتماعية، فمنها ما هو صحيح وفي محلّه ومنها ما هو ثرثرة ليس لها أساس ولا تحمل من الصحة شَيْئًا، وهذا شيء طبيعي إذ الاجتهاد في مثل هذه المسائل مَفْتُوحٌ على مصراعيه ومساحته واسعة.

أمّا حينما يتعلّق الأمر بالمواضيع الشرعية التي تتطلب أحكامًا شرعية فمكانها عند ذي الاختصاص من المراجع والفقهاء وهم أهلها بغض النظر عن حجم المعلومات ومدى المعرفة بها من قبل العامة. هذا لا يعني عدم الخوض فيها من باب الاستفسار وطلب المزيد من المعرفة، بل من الواجب علي عموم الناس تعلّم ومعرفة أحكام دينهم ومعرفة تكليفهم الشرعي من خلال الرجوع إلى تلقّي المعلومة من مصادرها الصحيحة ومنابعها الموثوقة وليس ثمة أصدق من الفقهاء والمراجع في هذا الحقل.

في كثير من الأحيان تجدنا فقهاء في كثير من الحقول وندلي بآرائنا دون معرفة، وإنّما بلبلة لا تسمن ولا تغني من جوع. فكما ترجع إلى الطبيب المختص في الأمور والمسائل الصحية الدقيقة وكذلك الرجوع إلى المهندس المختص في الأمور الإنشائية والهندسية عليك أن ترجع في الأمور الشرعية إلى ذوي الاختصاص أيضًا حتى نضع الأمور في أماكنها الصحيحة.

الادعاء بالفهم دون المعرفة التامة بما جاء نَصًّا من أهله والإفتاء بأمر ما فهو أمر غير مقبول إطلاقًا، فالإدلاء بما ليس لك به علم، أي علم كان وبغض النظر عن نوعه، يعتبر جريمة قد يترتب عليها مقاضاة وأحكام شرعية أنت بغنى عنها.

ما جاء من مقالات ومهاترات بخصوص يوم العيد واختلاف الروئ حول ثبوت هلاله ليست في محلها مطلقًا، فهذا حكم شرعي له أهله وما عليك إِلَّا أن تعمل من خلال فتوى الفقيه الذي ترجع إليه بغض النظر عن القيل والقال، فثقتك بالفقيه والعمل برسالته هما القاعدتان الأساسيتان لعملك.

أمّا إن كان الهدف من هذه البلبلة هو طلب توحيد يوم العيد حتى يرانا الآخرون بأنّنا متّحدون على كلمة سواء فهذا أمر مضحك وليس هكذا تورد الإبل. يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُونَ مُؤْمِنِينَ، يونس - 99، ويقول سبحانه وتعالى: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ، هود - 118.

اتحاد الكلمة ليس في توحيد يوم العيد، بل أنّ رقيّ المجتمعات وتقدّمها في اختلاف الروئ وتباين الأفكار. اتحادنا يكمن في قبول الآراء المختلفة والتوجهات المتعددة حتى نخلق مجتمعًا متآلفًا يحمل أهله على عواتقهم مسؤولية التغيير في الفكر والعمل.