آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 10:41 م

تخليد المناسبات

محمد أحمد التاروتي *

حفر الأحداث والمناسبات المفصلية والتاريخية في الذاكرة الاجتماعية، بمثابة رد الجميل للشخصيات التي ساهمت في صنعها، خصوصا وأن التاريخ سيتلاشى من الذاكرة مع مرور السنوات، وتعاقب الأجيال، مما يستدعي التحرك باتجاه تكريس تلك المناسبات في الواقع الاجتماعي، من خلال وضع البرامج والفعاليات القادرة، على إبقاء جذوة تلك الأحداث متقدة، في الذاكرة الاجتماعية الدوام.

تخليد المناسبات لا يمثل اجتراراً للماضي، والعمل على التغني بالأمجاد، كنوع من التعويض أو سد الفراغ لدى الأجيال الحالية، بقدر ما يسهم في إرساء ثقافة قادرة على الاعتزاز بالمنجزات المفصلية، التي شكلت الوعي الاجتماعي، خصوصا وأن انعدام التدوين وعدم الاهتمام بعملية رصد الكثير من الأحداث، ساهم في اندثار العديد من الأحداث قيمتها الثقافية والتاريخية، مما يستدعي إعادة برمجة المناسبات بطريقة واعية لاستخلاص العبر، والاستفادة منها في رفد الوعي الاجتماعي بالعديد من الدروس، بما ينعكس على صياغة منظور مختلف للعديد من المناسبات، والكثير من الأحداث سواء الصعيد الفردي أو الاجتماعي.

النظرة المتزنة والعقلانية للتعاطي مع المناسبات، عنصر أساسي في طريقة إبرازها على الصعيد الاجتماعي، خصوصا والمغالاة ورسم صورة غير واقعية، لا يخدم أهداف تخليد المناسبات، كما إن تسخيف والتقليل من تلك الأحداث، يترك انطباعات سلبية لدى مختلف الأجيال، مما يفرض انتهاج الطريقة العقلانية، وسبيل الوسط في التعاطي مع المناسبات المفصلية، التي رسمت واقعا ملموسا في الذاكرة الاجتماعية، وبالتالي فإن احترام التاريخ يستدعي انتهاج الأسلوب المناسب، بعيدا عن الإفراط أو التفريط، كنوع من احترام العقول، وعدم إجحاف التاريخ الاجتماعي حقه، في الظهور بالطريقة المتوازنة.

الحالة الإيجابية للتعاطي مع المناسبات الاجتماعية، تنعكس بصورة مباشرة على التفاعل العقلاني مع تلك الأحداث، بحيث تترجم بأشكال متعددة وتعابير مختلفة، نظرا لاختلاف التفكير في تخليد تلك المناسبات، بيد أنها تتمحور في نقطة واحدة تتمثل في إظهار التقدير، للدور الكبير الذي شكلته تلك المناسبات، في الثقافة الاجتماعية، وكذلك للأهمية البالغة التي تكتسيها في الذاكرة الاجتماعية، وبالتالي فإن تباين التعاطي مع المناسبات يثري الثقافة الاجتماعية، ويكرس الواقع الإيجابي بمختلف الأشكال، بمعنى آخر، فإن النظرة السلبية في الاختلاف الكبير في الآليات، والأساليب في إظهار الاحتفاظ بالمناسبات، لا يخدم الثقافة الاجتماعية، بقدر ما يخلق حالة من التأزيم والفرقة، مما يفقد المناسبات قيمتها الثقافية وقدرتها على توحيد الاهتمام، وإظهار التقدير بما يعود على الجميع بالفائدة الكبرى.

الرغبة في تخليد المناسبات في الذاكرة الاجتماعية عامل إيجابي، وعنصر محرك للحالة الإنسانية، بيد أن الرغبة دون تحرك ملموس لإخراج تلك المناسبات، من الذاكرة التاريخية إلى التفاعل الاجتماعي، يبقى مجهود غير ملموس على الواقع الخارجي، مما يعرقل الجهود الساعية لربط الأجيال بالحوادث المفصلية، التي شكلت مفاهيم راسخة في الوعي الجمعي، وبالتالي فإن الرغبة تشكل خطوة مهمة، ولكنها قادرة على تشكيل الوعي الاجتماعي بأهمية المناسبات، وقدرتها على الاستقطاب في المجتمع، لا سيما وأن تسليط الضوء على الحوادث المفصلية يكشف الكثير من الغموض، ويساعد في إظهار الأمور على حقيقتها، مما ينعكس بصورة مباشرة على تكريس المناسبات، في اللاوعي الاجتماعي على المدى البعيد.

التركيز على المناسبات الخالدة عامل حيوي في استقطاب العقل الاجتماعي، فالتركيز يقضي على إضاعة الجهد، والوقت في الاهتمام بالحوادث الهامشية، خصوصا وأن هناك أحداثا تمتلك القدرة على الاستقطاب، كونها ذات أثر كبير على الصعيد الثقافي والاجتماعي، مما يستدعي التحرك باتجاه وضعها ضمن الاهتمام المشترك، والعمل إخراجها من الماضي المجهول إلى الحاضر المعلوم، من خلال تسليط الضوء عليها بشكل كبير، عبر إبرازها بشكل مستمر عبر المحافل الاجتماعية، وعدم الاعتماد على الذاكرة الاجتماعية، فالمحافل قادرة على تكريسها في المجتمع، مما يؤسس لمرحلة مهمة في الذاكرة الاجتماعية.

تبقى المناسبات الاجتماعية حوادث قادرة على صنع واقع ثقافي، كونها ذات قيمة كبرى في التاريخ الاجتماعي، مما يفرض اتخاذها وسيلة لإنعاش ذاكرة الأجيال، والابتعاد عن ثقافة التجاهل، وعدم الاهتمام، التي أدت إلى نسيان العديد من الحوادث المهمة من الذاكرة الاجتماعية، الأمر الذي يشكل خطيئة كبرى بحق المجتمع، وحرمان الأجيال من التعرف على حقيقة الأمور، بعيدا عن التزلف والنكران.

كاتب صحفي