آخر تحديث: 29 / 4 / 2024م - 8:51 ص

الجزاء

محمد أحمد التاروتي *

الحماقة تدفع صاحبها للإقدام على أعمال غير عقلانية، واستفزازية في الوقت نفسه، فضلا عن كونها صادمة في كثير من الأحيان، مما يترتب عليها مواقف عدائية وغير متوقعة أحيانا، خصوصا وأن الأعمال غير العقلانية تواجه بردود أفعال جنونية، نظرا لاختلاف القناعات وعدم القدرة على استيعاب الممارسات الصارمة، الأمر الذي يولد حالة من الغضب والهستيريا لدى بعض الفئات الاجتماعية، بحيث تبرز على أشكال بعضها ذات صبغة قانونية، والبعض الآخر خارج عن القانون.

الغباء يتسبب بالدخول في مواجهات غير متكافئة مع الواقع الاجتماعي، لا سيما وأن الممارسات غير العقلانية تكون نتائجها سلبية في جميع الأوقات، بحيث لا تقتصر على شريحة اجتماعية محددة، ولكنها تشمل مختلف الشرائح بالمجتمع، مما يحدث حالة من الهيجان في كافة المستويات الاجتماعية، خصوصا وأن الصدمة الناجمة عن الأعمال الصارمة تتطلب مواقف صلبة، لإيصال رسائل واضحة لمختلف الأطراف، بضرورة التوقف عن إحداث صدمات كبرى، في العقل الجمعي الاجتماعي، وبالتالي فإن العقاب الشديد يشكل ضريبة عادلة لتلك الممارسات الاستفزازية.

المراهنة على الطرف الخاسر، يكشف مستوى الحماقة، لدى أصحاب الأعمال الاستفزازية، فالطرف المؤيد لتلك الأعمال الصارمة، سيجد نفسه في زاوية ضيقة، مما يعطل خططه للمناورة واللعب على الحبال، حيث يحاول جس نبض ردود الأفعال في البداية، بهدف قياس الخسائر والتعرف على الأرباح، فإذا كانت الخسائر كبيرة، فإن التراجع عن المواقف المؤيدة، يكون السبيل المناسب للخروج من المأزق، ومحاولة ترميم بعض الخسائر في المستقبل، بينما سيكون الاستمرار في التأييد سيد الموقف، بمجرد الشعور بظهور ردود أفعال باهتة وغير قوية، وبالتالي فإن الدخول في مواجهة مباشرة مع البيئة الاجتماعية، بالاستناد على أحد الأطراف، يعطي رسالة واضحة بغياب الحكمة، وانعدام القدرة على القراءة السليمة، في كثير من الأحيان.

التراجع عن الأعمال الاستفزازية جراء موجة الغضب العارمة، لا يشكل مخرجا لإنهاء القضية، فالأمور تصبح أكثر تعقيدا في الغالب، نظرا لوجود أطراف عديدة تراهن على كسب الجولة، وبالتالي فإن محاولة تمرير ”عفا الله عما سلف“، عملية ليست مقبولة على الإطلاق، خصوصا وأن العملية لا تمس قضية هامشية، ولكنها تتناول قضية عامة، مما يستدعي انتهاج سياسة مغايرة تماما في التعاطي مع الأمور، من خلال إعطاء القضية أهمية بالغة، واتخاذ مواقف قادرة على الردع على الدوام، فالتعاطي بإيجابية مع إعلان الندم، يشجع بعض الأطراف على الإقدام على ممارسات عدائية مماثلة، وبالتالي فإن الحسم يشكل الخيار الأمثل للقضاء على كافة الأعمال الاستفزازية، التي تدخل البيئة الاجتماعية في حالة من الغضب والهيجان.

مساحة الحرية والاستفادة من القانون، ليس مدعاة للإقدام على الأعمال الاستفزازية، فالحرية لا تعني التعدي على الآخرين، وإنما تسمح للإنسان باختيار طريقة حياته، دون المساس بحقوق ومشاعر الآخرين، فالأعمال الاستفزازية لا تمت للحرية بصلة على الإطلاق، بقدر ما تسهم في توتير الأوضاع، والدخول في مواجهات مباشرة مع البيئة الاجتماعية، لاسيما وأن تلك الأعمال تضرب النسيج الاجتماعي، وتحاول إحداث شروخ كبرى في القناعات، الأمر الذي يستدعي التحرك وفق الحدود المسموحة للحرية، وعدم تجاوزها بطريقة غير مقبولة، نظرا لوجود اختلافات واضحة في مفهوم الحرية بين البشر، بينما ينظر البعض للحرية بالشكل المطلق، وغير المؤطر بالضوابط الأخلاقية والاجتماعية، فإن البعض الآخر ينظر للحرية بطريقة مختلفة، من خلال وضع المعايير القادرة على تحديد الواجبات، والحقوق لجميع الأطراف.

التفكير في الجزاء المتوقع للأعمال الاستفزازية، يعتبر أحد المخارج لتجاوز هذه المعضلة، فالجزاء كما يقال ”من جنس العمل“، مما يعني أن النظر في العواقب الوخيمة للإقدام على تلك الأعمال الجنونية، يساعد في اتخاذ القرار المناسب، من خلال إعادة النظر عبر احتساب المكاسب، والخسائر الناجمة عن تلك الأعمال غير العقلانية، الأمر الذي يقود إلى التصالح مع البيئة الاجتماعية، والعزوف عن انتهاج الطريقة الاستفزازية، في مختلف الممارسات الحياتية.

كاتب صحفي