آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 10:41 م

انقلاب السحر

محمد أحمد التاروتي *

القرارات الارتجالية، وانعدام الوعي اللازم، والغرور الذاتي، والأحقاد الداخلية، عوامل مدمرة للشخصية ومسببات للإقدام على ممارسات كارثية، فهذه العناصر تدفع باتجاه انتهاج الطرق الشائكة، وغير السليمة، الأمر الذي يحدث تموجات كبرى على الصعيد الاجتماعي، بحيث لا تقتصر آثارها على شريحة محددة، ولكنها تطال غالبية الفئات الاجتماعية، نظرا لوجود تشابك مصالح بين فئات المجتمع الواحد، مما يقود إلى الكثير من الاشتباكات الداخلية، فتارة تكون التداعيات ذات أثر فكرية وثقافي، وتارة تتسبب في إطلاق العنان لموجة العنف، والاشتباك الدموي.

دراسة القرارات من كافة الجوانب، يقود لانتهاج الوسيلة المناسبة، خصوصا وأن بعض القرارات لا تدخل في الحرية الشخصية، بقدر ما تحدث انعكاسات سلبية في العديد من المجالات الاجتماعية، فهناك تداعيات واضحة على بعض القرارات، الأمر الذي يستدعي وضعها في الاعتبار قبل الإقدام على اتخاذها، من خلال وضع المعالجات القادرة على انتقالها، من الجانب السلبي إلى العنصر الإيجابي، حيث توجد الكثير من الحلول القادرة على إخراج، بعض القرارات الصادمة من الحالة العنفية إلى الحالة الفكرية، الأمر الذي يساعد في نزع فتيل الانفجار الاجتماعي منها.

القدرة على اتخاذ القرارات على اختلافها، لا يبرر انتهاج الطرق الاستفزازية، والصادمة في البيئة الاجتماعية، فالصلاحيات لا تعطي أصحابها الحرية المطلقة، لوضع البيئة الاجتماعية على فوهة البارود، وإنما تدفع لاتخاذ القرارات المناسب، بحيث تقود البيئة الاجتماعية إلى التصالح، والسير نحو الارتقاء والتطور، وبالتالي فإن محاولة وضع الأمور في المسارات المعاكسة، ينم على قصور كبير في الرؤية، وانعدام المسؤولية تجاه البيئة الاجتماعية، خصوصا وأن مستوى الوعي الاجتماعي يتباين تبعا لطبيعة المرحلة، ومستوى النضج وغيرها من العوامل المتعددة.

ضبط النفس عنصر أساسي في اتخاذ القرارات العقلانية، تجاه مختلف القضايا والأزمات الاجتماعية، فالقرارات الارتجالية والفوضوية تجلب معها الويلات، وتتسبب في خلق أزمات كبرى عبر توتير الأجواء الداخلية، وبالتالي فإن قراءة المشهد بطريقة واعية، والابتعاد عن القرارات العاطفية، يسهم في وضع الأمور في المسارات السليمة، بحيث تتجلى في وضع المعالجات القادرة على توحيد الجهود، عوضا من زرع بذور الشقاق، وإحداث النزاع في البيئة الاجتماعية، بمعنى آخر، فإن الانفعالات على اختلافها، سواء كانت نتيجة أحقاد داخلية، أو مواقف عدائية، تجاه البيئة الاجتماعية، تجلب معها الكثير من المشاكل في مختلف الأصعدة، مما يستدعي وضع تلك التداعيات الخطيرة، في الاعتبار قبل الإقدام على ممارسات استفزازية، لتفادي الدخول في صراعات داخلية، تحدث شروخا كبيرة، على الصعيد الفكري والثقافي في كثير من الأحيان.

البيئة الاجتماعية قادرة على إفراغ القرارات الاستفزازية من محتواها، عبر اتخاذ الإجراءات المناسبة ومنع ردود الأفعال السريعة، بهدف الحفاظ على التماسك الداخلي، وعدم الانجرار وراء الأغراض المرسومة، خصوصا وأن القرارات الاستفزازية تسعى لإحداث فتنة داخلية، الأمر الذي يستدعي التحرك وفق رؤية واضحة، وقدرة على ضبط الأمور بالطريقة المناسبة، وبالتالي فإن فتح المجال أمام ردود الأفعال السريعة، يدمر البيئة الاجتماعية، ويخلق الكثير من المشاكل، ويقود إلى صراعات ذات أثر سلبي، على مختلف الشرائح الاجتماعية.

التحرك الواعي تجاه القرارات الاستفزازية، يساعد في الإمساك بزمام الأمور، بهدف التوظيف المثالي، والعمل على تحويل تلك القرارات، من حالتها الاستفزازية إلى الجانب ”العقلاني“، مما يؤدي لانقلاب السحر على الساحر، لاسيما وأن الاستفادة من الثغرات التي تحملها القرارات الاستفزازية، يعطي البيئة الاجتماعية المساحة الكافية، لتحويلها في الاتجاهات المطلوبة، بالتالي فإن هدف توتير الأوضاع الداخلية يتحول إلى عنصر جامع، وقدرة على توحيد الكلمة، وتجاوز التحديات في أصعب الظروف والمواقف.

إظهار الجانب الإيجابي من القرارات الاستفزازية، يكشف مستوى الوعي الاجتماعي، فهناك العديد من الأمور الإيجابية في مختلف القرارات الصادمة، بحيث تسهم في تحريك الأوضاع في الاتجاهات السليمة، الأمر الذي يعطي حالة من الاطمئنان بوجود قاعدة صلبة، قادرة على مواجهة مختلف التحديات الساعية، لإدخال البيئة الاجتماعية في صراع دموي.

كاتب صحفي