آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 10:41 م

الخطاب المسؤول

محمد أحمد التاروتي *

امتلاك القدرة على التأثير عنصر أساسي، في التحرك لإحداث تغييرات جوهرية، في بنية التفكير الاجتماعي، فهذه الملكة ليست متاحة للجميع، نظرا لتفاوت الإمكانات الذاتية أولا، واختلاف القدرات في صياغة الخطاب بطريقة مناسبة ثانيا، فهناك اختلاف كبير بين الخطاب المؤثر، والخطاب التحريضي، انطلاقا من الانعكاسات المترتبة عليهما، حيث يستهدف الخطاب المؤثر الارتقاء بالبيئة الاجتماعية، أو الحصول على التأييد الشعبي، بينما يكرس الخطاب التحريضي جهوده على إثارة الرأي الشعبي، باتجاه بعض القضايا، سواء لأغراض شخصية، أو غيرها من الأسباب المختلفة.

اختيار الخطاب المناسب للتعاطي مع القضايا الاجتماعي، يكشف مستوى الوعي وفي النضوج في تحمل المسؤولية من جانب، والحرص على وضع الأمور في الطريق المناسب من جانب آخر، خصوصا وأن الخطاب لا يستهدف التخريب، أو الخروج عن الإجماع الاجتماعي، بقدر ما يحاول توظيف الإمكانيات، في سبيل تحريك التفكير الاجتماعي بالاتجاهات الفاعلة، نظرا لوجود طاقات كثيرة معطلة، أو غير قادرة على السير في الطريق الصحيح، مما يستدعي التحرك الجاد لصياغة خطاب اجتماعي، يضع في الاعتبار الوضع الراهن، والعمل على تجاوز التحديات على اختلافها، نظرا للتداعيات المترتبة على الاستسلام للقيود الفكرية، التي تعطل التحرك الإيجابي.

عملية انتقاء المفردات المؤثرة، والتصويب على الكلمات المناسبة، ممارسة تفرضها الوقائع على الأرض، انطلاقا من قاعدة ”لكل مقام مقال“، فهناك مفردات ليست قادرة على تحريك العقول في أوقات محددة، ولكنها أكثر فاعلة وقدرة على التأثير في مناسبات أخرى، وبالتالي فإن الاعتماد على المفردات دون النظر إلى الظروف القائمة، يسهم في تعقيد الأمور، وينسف كافة الجهود المبذولة، للنهوض بالخطاب الاجتماعي، بمعنى آخر، فإن دراسة التفكير الاجتماعية، ومحاولة التحرك وفق المنهجية السائدة، يحقق الغايات المرجوة من الخطاب الاجتماعي، نظرا لتوافر الأسباب القادرة على خلق المناخ المناسب، للتأثير على أكبر شريحة اجتماعية.

الحماسة وفقدان التوازن، أمراض خطيرة تهدد أصحاب الخطاب في البيئة الاجتماعية، خصوصا وأن الخروج عن الاستقرار، والاستجابة العاطفية مع بعض ردود الأفعال الانفعالية، يخلق العديد من الإشكالات على الساحة الاجتماعية، لا سيما وأن التجاوب الاجتماعي السريع مع الخطاب يكون انفعاليا، مما يستدعي التريث، وعدم التفاعل غير العقلاني، بهدف إيجاد الصيغة المناسبة، وعدم الانجرار وراء الحماسة غير المتوازنة، وبالتالي فإن التوازن في الخطاب المدعوم بالمفردات العقلانية، يساعد في رسم الطريق السليم، مما يسهم في تحقيق الغايات المرسومة، من خلال إنارة التفكير الاجتماعي، وإزالة الضبابية عن عيون العديد من الفئات الاجتماعية.

إدراك المسؤولية تدفع باتجاه صياغة خطاب جامع ومناسب، فالمسؤولية تقطع الطريق أمام التلاعب بالمشاعر الاجتماعية، من خلال استغلال القدرة التأثير في توظيف الخطاب، في الاتجاهات التدميرية والخاطئة، خصوصا وأن هناك إغراءات كثيرة تعترض الطريق، فهناك من يسقط في مقاومتها، ويعمل على تجيير الخطاب للأغراض الخاصة، ويحاول استخدام العبارات التحريضية، للوصول إلى الأهداف الشخصية، بينما ينجح البعض في رفض تلك الإغراءات، عبر الاستمرار في تحمل المسؤولية، تجاه البيئة الاجتماعية، من خلال الإصرار على التوظيف العقلاني للخطاب، الأمر الذي يتجلى في السير على خطى واضحة، وعدم الانجرار وراء مختلف أنواع الإغراءات، التي تقدم على أشكال متعددة.

التفاعل المتبادل مع البيئة الاجتماعية، يشكل أحد العناصر الأساسية للخروج بالخطاب المتوازن، والمسؤول، نظرا لوجود ترابط كبير بين إمكانية التأثير، والإيمان الكامل بالخطاب المرسوم، فالمجتمع يمتلك كلمة ”السر“ في إخراج الخطاب إلى الواقع الخارجي، من خلال التفاعل الكامل عبر استخدامه، في الممارسات العملية، انطلاقا من القناعة التامة بضرورة إحداث تغييرات جوهرية، في بنية التفكير العام، الأمر الذي يخلق حالة من الانسجام، بين القناعات الفكرية والممارسة الخارجية، وبالتالي فإن محاولة فصل الترابط، بين البيئة الاجتماعية والخطاب الاجتماعي، تستهدف التخريب، وإفشال الجهود المبذولة، لوضع المجتمع على طريق الخطاب العقلاني.

الخطاب المسؤول يشكل أحد العوامل في طريق الارتقاء، والعمل على برمجة بعض القناعات الراسخة، في التفكير الاجتماعي، فالخطاب العقلاني ينير الدرب للتخلي، عن بعض الأفكار غير الصالحة والهدامة، والعمل على التمسك بالقناعات الأكثر قدرة، على تحريك العقل الجمعي بالاتجاه الصائب.

كاتب صحفي