آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 7:29 م

صعود نحو خط الفقر

يوسف مكي * صحيفة الخليج الإماراتية

تصاعد عدد البلدان العربية التي تعيش غالبية سكانها تحت خط الفقر، لتشمل أقطاراً عريقة، كان لها إسهام مركزي في الانبعاث العربي، وفي النهضة الثقافية التي بدأت طلائعها منذ نهاية القرن التاسع عشر. وترجع أسباب تردي الأوضاع الاقتصادية إلى أمور عديدة، بعضها خارجي مباشر، وبعضها الآخر يعود إلى أسباب ذاتية مصحوبة بضغوطات خارجية مباشرة وغير مباشرة.

فسوريا على سبيل المثال، عانت عشرية دم أعاقت تطورها ونماءها، إثر اندلاع ما بات معروفاً بالربيع العربي. غدت البلاد مختبراً لصراعات إقليمية ودولية. كان من نتائجها خروج مناطق عن سيطرة الدولة، ونهب ممتلكاتها في عدد من المحافظات، وتضعضع القطاع السياحي.

وفي ظل هذه الأوضاع، يعشعش الفقر، وتتراجع قيمة الليرة، والأمل كبير بأن تستعيد سوريا عافيتها، بعد استعادتها لمقعدها بجامعة الدول العربية، وعودة علاقاتها بمعظم الدول الشقيقة. إن معالجة حالة التردي الاقتصادي تتطلب برنامجاً عملياً للقضاء على الفساد، والتوجه المباشر من اقتصاد الاستهلاك إلى الاقتصاد المنتج، وعمل مختلف التسهيلات لتنشيط القطاع السياحي.

أما لبنان، فإنه يعاني، إضافة إلى تركة القسمة بين الطوائف، العجز عن مقابلة استحقاقات الناس. كما يعاني الأزمات السياسية المتكررة التي نتج عنها غياب حقيقي لأجهزة الدولة. فلبنان هو الوحيد الذي تسير ماكينته الاقتصادية، في ظل غياب لرئيس الدولة أحياناً، ورئيس الحكومة في أحيان أخرى. لقد جعل هذا الفراغ السياسي، البلاد مرتعاً للفاسدين واللصوص، في ظل غياب شبه كامل للاقتصاد المنتج.

ولا شك أن هذا الواقع المؤلم، أدى إلى تعطل النشاط السياحي، وحرمان البلاد من دخل رئيسي كبير.

وفي اليمن تسببت الفوضى، التي أخذت مكانها منذ عام 2011، في تفتيت البلاد، وتراجع سعر العملة اليمنية إلى أدنى مستوياته، وضعفت القدرة الشرائية للمواطنين، وتوقفت حركة الإنتاج، ووصل معظم السكان إلى ما دون خط الفقر. وعلى الرغم من أن هدنة بدأت منذ الثاني من نيسان/إبريل في العام الماضي بين المتصارعين، فإنه لم يتم التوصل بعد إلى تسوية سياسية تضع البلاد على السكة الصحيحة.

وحين نأتي إلى مصر، البلد الأكثر سكاناً بالوطن العربي، فإنها شهدت استكمالاً سريعاً في بنيتها التحتية، شملت شق شوارع كبرى، وبناء جسور ضخمة بالمدن الرئيسية والطرق السريعة، غطت الجزء الأكبر من البلاد. كما شهدت بناء العاصمة الإدارية الجديدة، وتوسعاً في بناء أحياء كبرى، في شرق القاهرة وغربها. وفي ظل غياب الوفرة في المال، وضعف سوق الإقراض العربية، اضطرت الحكومة، إلى اقتراض مليارات الدولارات من الخارج، وبشكل خاص من صندوق النقد الدولي.

وأمام عجز الحكومة عن سداد الديون، وبسبب برامج التقشف التي فرضها صندوق النقد الدولي، انخفض سعر الجنيه المصري أمام الدولار، وبلغت الفجوة بين سعره القديم والسعر الحالي أكثر من الضعف. وتزامن ذلك مع تراجع الدور الاقتصادي للقطاع العام، وتقليص مساحة الأراضي الزراعية، لصالح السكن، بسبب الكثافة السكانية في أكثر المناطق الزراعية خصوبة.

وقد عالجت الحكومة المصرية الوضع الراهن، بمنع استيراد البضائع الأجنبية بالعملة الصعبة، ما أثّر على أوضاع المستشفيات والمراكز الصحية ومستودعات الأدوية. وفي هذا السياق، يطالب بعض الخبراء الاقتصاديين المصريين، بالتوجه إلى الاقتصاد المنتج، والتوقف عن الاقتراض من الصناديق الدولية، وحماية المنشآت الصناعية المحلية. وتلك حلول ستضع أعباء كبيرة على المواطن المصري، لكن الانتقال من اقتصاد الاستهلاك إلى الاقتصاد المنتج، يبدو أمراً لا مفرّ منه.

وللأسف فإن حالة العوز التي أشرنا إليها لا تقتصر على البلدان التي ذكرناها، بل تشمل بلداناً أخرى لا مجال لتناولها في هذا الحديث القصير. والحل الحقيقي للأزمة، كما نراه، يكمن في تحقيق التكامل الاقتصادي بين البلدان العربية، وصولاً إلى الوحدة الاقتصادية، وحماية الصناعة الوطنية، وزيادة الضرائب التصاعدية، بحيث لا تشمل القاعدة العريضة من الناس، بل الأكثر ثراء وقدرة منهم. وربما يسهم تأسيس بنوك تسليف عربية، بنسب أرباح منخفضة، في حل عملي لجوانب كثيرة من أزمات التردي الاقتصادي الراهنة.