آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 2:51 م

أراجيز الطف 49

محمد أحمد التاروتي *

يبرز الشهيد يزيد بن مغفل الجعفي، في أرجوزته بيوم عاشوراء، البطولة والشجاعة التي ورثها من والده ”مغفل“، الذي عرفت الحروب صولاته وجولاته، بحيث باتت البطولات التي سطرها ”قصة“ تتناقلها القبائل العربية، بحيث أصبحت البطولة تسري في شرايين كافة أبناء ”مغفل“، بالإضافة إلى ذلك، فإن الأرجوزة تكشف الهيام والتفاني، في سبيل الدفاع عن سيد الشهداء ، باعتباره فلذة كبدة رسول الله ﷺ، وحامل لواء الدفاع عن الشريعة، وتصحيح الانحرافات في الأمة الإسلامية، جراء جلوس يزيد على مسند الخلافة.

يبدأ الشهيد يزيد بن مغفل، في الشطر الأول من الأرجوزة، بالتفاخر بنفسه أمام الجيش الأموي، وكذلك التعريف بوالده، لإظهار الشجاعة التي يتحلى بها، وكذلك البطولة التي يمتلكها في ساحات القتال، انطلاقا من الصفات التي ورثها في إتقان فنون الحرب، والخوض في غمار القتال دون وجل أو خوف، فهو لا يختلف عن والده ”مغفل“ في الإقبال على الموت، وعدم التردد عن حمل السلاح للدفاع عن القيم الإسلامية، وحماية العترة الطاهرة ، خصوصا وأن الألوف التي احتشدت في صحراء كربلاء، تتحفز بكل ما تمتلك لارتكاب أفظع جريمة عرفها التاريخ، فالشهيد يزيد مغفل يسير على العادة في الحروب السابقة، التي تشهد الارتجال والتفاخر بالنسب، بمجرد الانحدار إلى الميدان، بهدف التعريف بالشرف الرفيع، والمكانة العالية التي يحتلها في قومه، بالإضافة إلى الافتخار بالنسب الكبير، والشجاعة التي ورثها من عشيرته، فهذه البسالة والإقدام شرف عظيم، يرفع صاحبها في الحروب، بخلاف الجبن والخوف الذين يحطان من شأن المرء، وبالتالي فإن التفاخر بالنسب الرفيع يعلي من الشأن، وينم عن الاعتراف بالفضل للمكانة، التي اكتسبها في القوم، نتيجة الانتساب إلى تلك العشيرة الضاربة في الأصالة، والمعروفة بالبطولة، حيث يقول ”أنا يزيد وأنا ابن مغفل“.

ويركز الشهيد يزيد بن مغفل، في عجز البيت الأول من الأرجوزة، على مستوى البطولة التي يمتلكها في الحروب، والقدرة على الإطاحة بالرؤوس بسرعة البرق، من خلال السيف الذي يحمله باليمين، فهذا الصارم يمتلك مواصفات استثنائية، ليست متوافرة في السيوف الأخرى، حيث يمتاز بسرعة القطع بمجرد النزول على الجسد، ومن ثم فإن الشهيد يزيد بن مغفل، يرسل رسالة واضحة للجيش الأموي، بضرورة توخي الحذر، والابتعاد عن السيف القاطع، الذي يرحم كل من ينزل عليه، بالإضافة لذلك فإن اليد اليمنى التي تحمل السيف القاطع، لن تتوانى من الاشتباك مع العدو، وعدم التقهقر أمام تلك الألوف الجرارة، التي تحاول الزحف باتجاه معسكر سيد الشهداء ، الأمر الذي يسهم في زيادة عدد القتلى في صفوف جيش عمر بن سعد، جراء الضربات القاصمة التي تنزل على الجماجم في ساحة الميدان، لا سيما وأن نصل السيف القاطع لا يهاون في سبيل نصرة الحق، والوقوف في مواجهة الباطل، حيث يقول ”وفي يميني نصل سيف منجل“.

ويتطرق الشهيد يزيد بن مغفل، في الشطر الأول من الأرجوزة، إلى الطريقة المناسبة لإنزال العقاب العادل بحق الجيش الأموي، فهو يستهدف الضرب على الهامات، لتسريع الموت للطرف المقابل، خصوصا أن الضربات في الأماكن الأخرى من الجسم، ليست قادرة على إرسال العدو إلى جهنم، بخلاف استهدف الرؤوس بالضربات المباشرة، فهذه الضربات لا تترك مجالا للنجاة من الموت في الغالب، بالإضافة لذلك فإن استخدام مفردات ”الهامات“، للدلالة على قوة الضربات التي يوجهها نحو العدو، فهذه الكلمة تعطي دلالة واضحة بسرعة الموت خلال لحظات، ومن ثم فإن الشهيد يزيد بن مغفل، حرص على اختيار المفردات بشكل دقيق، من أجل إحداث الرهبة والخوف في قلوب الجيش الأموي، عبر استخدام الكلمات القادرة على الشجاعة، وعدم إظهار الخوف من النزال في ساحة المعركة، حيث يقول ”أعلو به الهامات وسط‍‌ القسطل“.

ويعلن الشهيد يزيد بن مغفل، في عجز البيت الثاني من الأرجوزة، عن الغاية الحقيقية من وراء النزول بكل اطمئنان، واستقرار إلى ساحة القتال، فهذه الغاية تتمثل في الدفاع وحماية الإمام الحسين ، باعتباره ”المفضل“ في الأمة، والبقية الباقية من أصحاب الكساء ، مما يستدعي بذل النفس رخيصة، في سبيل الدفاع عن ريحانة المصطفى ، فالشهيد يزيد بن مغفل، اختار المفردات بشكل دقيق للغاية، والتي تكشف حالة الذوبان، والاستعداد للسقوط في صحراء الطف، من أجل نصرة سيد الشهداء ، فهذه المعركة تمثل الفيصل بين الحق والباطل، الأمر الذي يحفز أصحاب القلوب المؤمنة، للإقدام والقتال في مواجهة الباطل، خصوصا وأن الموت دفاعا عن سبط الرسول الأكرم ، يشكل الحياة الأبدية في الدنيا والآخرة، حيث يقول ”عن الحسين الماجد المفضل“.

وذكر أهل المقاتل والسير أنَّه لمّا التحم القتال في اليوم العاشر استأذن يزيد بن مغفل الحسين ”“ في البراز فأذن له، فتقدّم وهو يقول:

أنا يزيد وأنا ابن مغفل

وفي يميني نصل سيف منجل

أعلو به الهامات وسط‍‌ القسطل

عن الحسين الماجد المفضل

كاتب صحفي