آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 7:26 م

خطباؤنا وضبط المواعيد‎

سعيد الميداني

شيخنا الجليل حفظه الله تأخّر عن موعده المقرر على غير عادته، فما كان من الحضور سوى تصفّح جوالاتهم وتبادل الأحاديث لترويض قلق الانتظار، أمّا أنا فاشتغلت بالحديث مع أحد الأصدقاء الذي كان يجلس بجانبي، ونسينا أنفسنا ولم ننتبه للوقت إلّا مع صوت الحضور، وهو يعلو بذكر الصلاة على النبي محمد وآله، فعرفت أن الخطيب قد وصل فتهلّل وجه الحضور بالبشرى وبشكل عفوي رفعت أنا معصم يدي لأنظر للساعة لأكتشف أن الوقت قد مرّ سريعًا والمفاجأة أن الخطيب لحظتها لمحني وأنا أنظر إلى ساعتي، والتقت عينه بعيني، فشعرت أن ثمة شيئاً في النفس أراد سماحة الشيخ أن يوصله لي، الحقيقة أنا لم أكن أرغب أن تحدث هذه المصادفة حتى لا يرتاب أحدهم بي، وبينما الشيخ يجهّز حاله للقراءة افتتح كلامه أولًا بالاعتذار عمّا بدر منه من تأخير، ومزج ذلك بشيء من ظرافته المعهودة، وهذه عادة أخلاقية حسنة لامتصاص وتلطيف حرارة الجو، ثمّ تطرّق إلى انتباهه لأحد الحضور ينظر إلى ساعته وكان يعنيني بهذا الكلام، وهو ينظر إلي بابتسامة ناعمة، فوجدت نفسي تلقائيًا هكذا أقف بشجاعة غير معهودة مني أفسّر أن حركتي كانت عفوية غير مقصودة، وختمت كلامي بالسكوت حتى لا يزيد اللغط في المجلس والحمد لله تقبّل الشيخ جوابي، وشرع الشيخ في قراءته بينما خرجت أنا ذهنيًا عن جو المناسبة، وصرت مرّة أتابع حديث الشيخ ومرّة أفكر بما جرى.

فرغ الشيخ من قراءته.. لملمت حالي وهممت بالخروج، وفي طريقي إلى السيارة استوقفني أحد الأصدقاء وقال تعال معي بسرعة فالشيخ يبحث عنك قلت له ماذا يريد مني، لقد أزلنا الإشكال وأغلقنا الموضوع، فقال تعال الآن وأخبره أنت بنفسك!

بالفعل رجعت لا تساعدني رجلاي على حملي يصاحبني شيء من الخجل والتردد، وقابلت الشيخ الذي بمجرد أن رآني أخذني بالأحضان، وقبّل رأسي معتذرًا عن سوء فهمه لي وأنا تحت وطأة هذا الموقف وبمرأى من الحضور ارتبكت واعتذرت منه، ولما سببته من إثارة، قال حصل خير واسترضاني بابتسامة وطبطب على كتفي، وودّعني بابتسامة أخرى تحمل في طيّاتها الكثير من السماحة والتواضع والأخلاق.

تأخّر الخطباء عن حضور مواعيدهم أصبحت ظاهرة مألوفة هذه الأيام، حتى باتت تزعج بعض الحضور وخصوصًا الأشخاص الذين يعشقون البلبلة والإثارة مع أنها حالة طبيعية تحدث حتى على مستوى الأفراد في مختلف المناسبات، لذلك يجب علينا كجمهور التعامل والتعاطي مع ظاهرة الانتظار بشيء من النضج والوعي لتصبح ثقافة تربي فينا الصبر والحكمة وألاّ نقسو ونتحامل على الخطباء فهم بلا شك حريصون أكثر من الأشخاص أنفسهم على الحضور في الموعد؛ لأنه يرون في أنفسهم القدوة الحسنة، ويعلمون تمامًا أهمية تجسيد هذا الدور بشكل يعكس الصورة الجميلة لخطباء المنبر الحسيني.