آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 4:17 م

التضامن المنقوص

محمد أحمد التاروتي *

التضامن المبدئي والكامل مع الآخر، يعطي إشارات إيجابية في أوقات الرخاء والشدة، فالوقوف خلف الحليف أو الصديق، يكشف المنظومة الأخلاقية، التي يتحلى بها المتضامن، لا سيما وأن الانسحاب من الساحة والانزواء خلف بعض المبررات، تصيب الحليف بخيبة كبرى يصعب وصفها، نظرا لحجم الصدمة الناجمة عن الخذلان، والابتعاد عن الساحة في الأوقات الحرجة، وبالتالي فإن التضامن الكامل يشكل عنصرا قويا، وعامل على الصمود في وجه التيارات المعاكسة.

الامتحانات الحياتية المحك الحقيقي، لكشف الزيف والادعاءات، حيث تظهر الأزمات الكبرى الصديق الوفي، وتكشف الحليف المصلحي، لاسيما وأن المواقف الصعبة تمثل الاختبار الحقيقي، في إظهار المنظومة الأخلاقية لجميع الأطراف، فإذا كانت قائمة على العلاقة المبدئية، فإن الأمور ستكون في الاتجاه الصحيح، بينما ستكون الأوضاع أكثر سوءا، بمجرد الاستناد على أخلاقيات زائفة، بمعنى آخر، فإن التحركات القائمة على الأسس المبدئية، أكثر قدرة على الصمود، والثبات في مختلف الأوقات، نظرا لوجود مشتركات قائمة على الوقوف في وجه التحديات، بغض النظر عن التداعيات والانعكاسات، المترتبة على تلك المواقف، سواء في الوقت الراهن أو المرحلة القادمة.

اكتشاف المنظومة الأخلاقية للحليف، تختلف باختلاف مستوى العلاقة القائمة بين الطرفين، فإذا كانت هامشية، فإنها سرعان ما تنهار، وتتلاشى بشكل كامل، نظرا لعدم وجود أرضية صلبة، قادرة على تحمل الكثير من المشاكل الحياتية، بينما تحتاج العلاقة القوية والعميقة إلى الكثير من الوقت، لاكتشاف نوعية المواقف المتخذة، فهناك تحالفات قادرة على الاستمرار في وجه الأزمات بمختلف أشكالها، نظرا لوجود مشتركات مبدئية قادرة، على تجاوز الكثير من الإشكالات، والعمل على تذليل الصعوبات، والعمل على تقديم المساعدة، بعيدا عن المصالح الآنية، أو المخاوف من الآثار المستقبلية، بينما توجد تحالفات وقتية سرعان ما تتحول إلى رماد وتتلاشى، بمجرد الاصطدام بأزمة كبرى، فيما تكون أكثر صمودا مع الأزمات الصغيرة، التي لا تتطلب إظهار الكثير، من المواقف الشجاعة أو البطولية.

وجود الحليف والصديق الوفي، يكون عنصرا أساسيا في إظهار الصمود، وعدم رفع الراية البيضاء، في وجه التحديات على اختلافها، فالحليف باستطاعته تقديم المساعدة الضرورية في الأوقات الحرجة، فهذه المساعدة ليست بالضرورة ذات صبغة ”العنف“، ولكنها تتمثل في مختلف أشكال المساعدات، لإظهار الحليف من المأزق، وتقليل حجم الخسائر المترتبة، ومن ثم فإن الصوت الداعم يخدم على الدوام، في إحداث فروقات حقيقية، لتجاوز الإشكالات والأزمات، بحيث تتجلى في محاولة استخدام العقول المتعددة، لإيجاد الحلول المناسبة، فتارة تكون الحلول ذات صبغة تصالحية وسلمية، وتارة أخرى تكون بطريقة أخرى، لإجبار الطرف الآخر، على التراجع والخضوع لمبدأ القوة.

التضامن المنقوص يتجلى في التواري، خلف الظهر في الأوقات الحاسمة، فالموقف الإيجابي يعطي زخما معنويا قويا، في مواجهة التيار المعاكسة، الأمر الذي يستدعي إظهار المساندة المعنوية والمادية، على الدوام، بيد أن التضامن السلبي غير محبذ على الإطلاق، نظرا لانعكاساته على المنظومة الأخلاقية، فالوقوف خلف المعتدي، والعمل على تقوية شوكة الظالم، لا يخدم التحالفات المبدئية، بقدر ما يكرس الحالة السلبية، وتعزيز الجور والظلم على الصعيد الاجتماعي، وبالتالي فإن الحليف الصادق لا يدخل في متاهات، غير واضحة المعالم، من خلال دراسة الأحداث بشكل دقيق لاتخاذ الموقف الأخلاقي، وعدم الانجرار وراء المواقف الارتجالية، من أجل إرساء القواعد الأخلاقية على الصعيد الاجتماعي، والعمل على تعزيز المواقف المبدئية بالدرجة الأولى.

يبقى الحليف سندا في الأوقات الحساسة، حيث يلعب دورا أساسيا في إظهار الصمود، وعدم التخلي عن المبادئ الأخلاقية، لاسيما وأن التحالفات القائمة على المنظومة المبدئية، أكثر قدرة على الثبات مهما كانت التداعيات، والانعكاسات الناجمة عن الإصرار على الموقف الثابت، الأمر الذي يساعد في خلق ثقافة قائمة على التضامن المبدئي، ونبذ كافة أشكال التحالفات الانتهازية أو المصلحية.

كاتب صحفي