آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 7:26 م

التقديس الأعمى

محمد أحمد التاروتي *

يلعب الجهل دور تخريب في إدخال بعض الفئات الاجتماعية، بمتاهات كثيرة يصعب الخروج منها بسهولة، نظرا لانعدام القدرة على رؤية الأمور بالشكل الصحيح أولا، والافتقار للآليات المناسبة للسير على الجادة الصائبة ثانيا، الأمر الذي يتسبب في الكثير من المشاكل على الصعيد الشخصي، جراء الانخراط خلف اعتقادات خاطئة، دون النظر إلى العواقب المترتبة على تلك الاتجاهات.

استغلال الجهل الكلي أو الجزئي، لدى بعض الشرائح الاجتماعية، يحفز بعض الأطراف الانتهازية، لمحاولة الاستفادة من تلك الظروف الاجتماعية، من أجل رسم مسارات مظلمة على الصعيد الثقافي، وأحيانا على الإطار العقدي، عبر نشر معتقدات مخربة، انطلاقا من قناعات راسخة بتحقيق نجاحات كبيرة في الوسط الاجتماعي، نتيجة تغلغل الجهل في البنية الفكرية لدى بعض الفئات الاجتماعية، الأمر الذي يتجلى في سرعة الاستجابة للدعوات الشاذة، وغير المستقيمة مع التفكير العقلاني.

تحريك المشاعر الدينية، والعمل على توظيف المعتقدات العقدية، في تمرير بعض المشاريع الشاذة، يشكل الرهان الحقيقي لدى الأطراف الانتهازية، في تحقيق النجاحات على الصعيد الاجتماعي، فاستغلال الظاهرة الدينية في خلق واقع غريب عملية مدروسة في الغالب، لا سيما وأن عملية الانخراط في اللعب على المشاعر الدينية، لدى بعض الفئات الاجتماعية، تتطلب القدرة على الإقناع أولا، والحصول على المباركة من لدن بعض الأطراف ”الساذجة“ ثانيا، الأمر الذي يسهم في تمرير تلك المشاريع الشاذة على الصعيد الاجتماعي، بحيث يتجلى في إعلاء بعض الشخصيات إلى عنان السماء، تحت مسميات وشعارات متعددة.

وجود أطراف داعمة لتمرير المشاريع الشاذة، عنصر أساسي في إطلاق تلك الظاهرة السلبية، في البيئة الاجتماعية، خصوصا وأن اختراق الوعي الاجتماعي مرتبط، بالقدرة على إحداث حالة من الحشد الكلي، الأمر الذي يوفر الكثير من الوقت، والجهد في تحقيق الغايات المرسومة، بالإضافة لذلك، فإن السذاجة تشكل محفزا أساسيا في السير قدما، باتجاه ”تغييب“ الوعي الاجتماعي، عبر إدخال بعض الفئات الاجتماعية مسارات غريبة وغير منطقية، بحيث يتجلى في محاولة إعلاء شأن بعض الشخصيات، الفاقدة للمكانة الاجتماعية، عبر خلق بعض القدرات غير العقلانية، والعمل على نشر ثقافة التجهيل، في البيئة الاجتماعية، من أجل الحصول على النتائج المرجوة، جراء انعدام الوعي الكامل في تحديد البوصلة الصحيحة، والانجرار وراء بعض الشعارات التافهة، التي تطلق من لدن الجهات الانتهازية.

يشارك الإعلام القذر، في لعبة ”التجهيل“ المتعمد في البيئة الاجتماعية، من خلال التركيز على عناصر فاقدة للكثير من المقومات الأساسية، للبروز على الساحة الاجتماعية، فالإعلام يعمل على تضخيم بعض الأعمال بطريقة مدروسة، لإحداث قناعات لدى الفئات الاجتماعية الساذجة، بهدف الحصول على الكثير من ردود الأفعال، المنسجمة مع التوجهات الحقيقية، وراء التركيز على الشخصيات التافهة في البيئة الاجتماعية، لاسيما وأن دخول وسائل التواصل الاجتماعي كلاعب أساسي، في تشكيل الوعي الاجتماعي، ساهم بدوره في خلط الأوراق، والتحرك باتجاه صناعة رموز وهمية، لدفع المجتمع لتقديسها، وإعلاء شأنها على حساب التفكير العقلاني، الذي يحرص على وضع البيئة الاجتماعية، في المسار السليم.

الاستجابة غير الواعية لبعض الفئات الاجتماعية، مع المشاريع الشاذة، أحد العناصر المحفزة لمواصلة مثل هذه التحركات الخطيرة، لاسيما وأن انخفاض الوعي الاجتماعي يسهم في إثارة العديد من الإشكالات، على الصعيد الفكري، بالإضافة إلى طمس المستوى الثقافي لدى الفرد، جراء التوجه المتعمد تجاه بعض الممارسات الخاطئة، والتي تهدف إلى التقديس غير المبرر لبعض الشخصيات، غير المؤهلة للبروز على الساحة الاجتماعية.

التقديس الأعمى مؤشر خطير على الصعيد الاجتماعي، لاسيما وان الانجرار وراء تلك الممارسات غير المنطقية، يحدث حالة من الانفصام الداخلي بين التفكير العقلاني، والممارسات الخارجية، الأمر الذي يتسبب في العديد من الإشكالات، بحيث تظهر على أشكال مختلفة بعضها ذات طابع تصادم، والبعض الآخر ناجم عن فقدان القدرة على تحديد الهدف بطريقة صحيحة.

كاتب صحفي