آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 10:41 م

إن مع العسر يسرين

سلمان العنكي

﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا «5» إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا «6» [الشرح: آية 5 - 6] لست بصدد تفسير الآيات. أتعرض لمواقف فيها غلبة يسرين عُسراً في طريق حياتنا جميعاً دون استثناء من الولادة إلى الوفاة. عقبات وأزمات تعترضنا غير محسوبة، أو رافقتنا من صغرنا وأخطاء ارتكبناها جهلاً سببت ”العُسر“ الذي لا يقتصر على الماديات كما يظن البعض إنما له تسميات تعدت إلى الأجزاء العضوية والمعنوية والفكرية للإنسان والعُسر عند الولادة إحداها ”كلامنا هنا عن العسر المادي ومعالجته“ إن تركناه مستسلمين النصر لصالحه وبعزيمتنا يحالفنا عليه مهما اشتدت قسوته، أو تكررت أنقل للقراء الكرام مثالين أطلعت عليهما بنفسي:

أولا: شخص بسيط يشتغل عند مُعجب بذاته يعرضه دوماً للإهانة يتلذذ بتحقيره صباحاً ومساءً بين الحضور يكرر قولاً ”لو لا أنا ما عشتَ“ المسكين محتسب صابر جاء يوم أنهى خدماته خرج وكأن الدنيا ساعتها اسودت في وجهه لا يدل الطريق أين يذهب؟ كيف المخرج؟ لا شهادة لا مهنة لا مال ودون خبرة بقي حبيس بيته أياماً خاطب نفسه حدثها: إلى متى أبقى رهين داري؟ كيف أصرف على عيالي؟ من أين أدفع الإيجار أسدد الفواتير قيمة الطعام؟ حسم أمره اقترض مبلغاً فتح محلاً صغيراً ”لبيع الخضار“ في غير بلد سكناه كبره طوره كثر عملاؤه لم تمض خمس سنوات حتى اشترى منزلاً ”وإن كان متواضعاً، لكنه يكفيه“ ذاك المتسلط لاحقته الديون سُجن باع ما عنده عيشه من الصدقات. هي مصاديق تغلب اليسرين تحول المستأجر إلى مالك بقوة الإرادة. والمالك بغروره إلى متسول جليس فراشه إن ربك لبالمرصاد وحقاً ”إن مع العسر يسرين“ قال إسحاق بن بهلول القاضي:

فلا تيأس وإن أعسرت يوماً
فقد أيسرت في دهر طويل

ولا تظن بربك ظن سوء
فإن الله أولى بالجميل

فإن العسر يتبعه يسار
وقول الله أصدق كل قيل

ثانياً: امرأة طلقها زوجها كانت له مخلصة استعبدها لعقود ”كم مِن المرات تُركت جائعة ضُربت طُردت؟“ تقول: مع ذلك لما وصلني خبر الطلاق شعرت وقتها كأن الموت يقطع أوداجي السماء في عيني دخان أموري ”تعسرت“ هل مِن يسر لها؟ ما بيدي أفعل لأَعيش؟ لا ولد لا أخ يقف جانبي بلغتُ الخمسين خفف ما نزل بي آخر قول سمعتُه منه ”باشوف من أين تأكلين وتشربين؟ كنتُ الرازق الوحيد لك والكاسي الآن كلي الورق إن وجد افترشي تراب الشارع لتنامي“ لم يبق إلا أن يقول ”أنا ربكِ الأعلى“ وربما قالها هذه الكلمات جعلتني أثق أكثر أن الله لن يتركني وحيدة يشمُت بي ظالم إنه تعالى يمهل ولا يهمل قرأتُ ”إن مع العسر يسرا“ مرتين بالتأكيد الانتصار قادم لا محالة ”المرأة مؤمنة عزيزة نفس لا تستجدي أحدا ما طلبت مِن جمعية ولا بصلة من جارة ما وقفت على باب“ بدأت تخيط الثياب تزين في الأعراس تحَسَن وضعها تتسوق بضائع التخفيضات، وتعيد بيعها بهامش ربحي متواضع كسبت مبلغاً توجهت تستورد من ”البحرين“ اليوم تعيش أجمل أيام حياتها عوضت سنوات مريرة ضيعتها ”أين الرجال من هذه؟“ لا تعرف الفشل والتمسكن صادقة في تعاملاتها تجاوزت الصعاب أصبح شعارها لا تخف ”إن مع العسر يسرين“ يقول الشافعي:

وَلَرُبَّ نازِلَةٍ يَضيقُ لَها الفَتى
ذَرعاً وَعِندَ اللَهِ مِنها المَخرَجُ

ضاقَت فَلَمّا اِستَحكَمَت حَلَقاتُها
فُرِجَت وَكُنتُ أَظُنُّها لا تُفرَجُ

أما المُتأله تجبراً المتجريء على خالقه المبارز له في ملكه ﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ «90» آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ «91» [يونس: آية 90 - 91]. ما نفعه إيمانه وإسلامه لقد كان من المفسدين؟ بعد الذي عمل وقال.

ثالثاً: ما ذُكر مصداق لما افتتحنا به لن تغلب يا عسر يسرين ولتحقيق ذلك نحتاج إلى:

1 - الإيمان بأن الرزق بيده تعالى مَن يدعيه دليلاً حقيراً متسولاً ضائعاً لا يُعرف له مكان ليس له قرار جزاء كذب ما ادعاه وجبروته وختام حياته سوء، وفي الآخرة من الخاسرين.

2 - الحياة جهاد كما هو حال الحرب لا نخلو من إصابات نعالجها كذلك مع العسر نواجه انتكاسات بالصبر والإصرار نتغلب عليها. شواهد يومية تؤيد مقولتنا كم رأينا كم سمعنا أن تاجراً أفلس ثم عاد من جديد ”عزيمة“ إنجازات محلية وعالمية ”لذوي همم“ عجز غيرهم تحقيقها ”إصرار“ شدة أعقبها رخاء ”تفاؤل“ ضائقة فُرجت ”أمل“ نصيحة للشباب أن يتركوا الخلود للراحة بالاعتماد على دخل لا يغني من جوع أو لأنهم لم يجدوا عملاً يناسب شهاداتهم وكأن الوظيفة حتمية وأمورهم تعسرت ولا مفر منها ليهبوا ما المانع أعمل فيما يتوفر حتى تجد الأحسن؟ لعل دخلك مضاعف عن راتبها ترشدك لما هو أفضل تفتح لك أبوابا أنت غافل عنها. لا يقيدك عسر، وقد أُعطيتَ يسرين.

3 - لا لليأس أو الابتزاز والخنوع، أو نسمح بتحطيم معنوياتنا بكلمات إن حصلت نقابلها بأفعال لا نعظم صغيراً إنما نصغر كل عظيم يعيقنا حتى لا نندرج تحت عنوان الفاشلين خاب من باع اثنين ”إن مع العسر يسرين“