آخر تحديث: 29 / 4 / 2024م - 5:05 م

دورة الحياة

محمد سعيد الدبيسي

هناك حقيقة أشار لها جملة من الشعراء والفلاسفة والباحثين مفادها أن الكرة الأرضية عبارة عن مقبرة كبرى جامعة تضم رفات جميع البشر منذ الإنسان الأول إلى يومنا الحاضر بحيث لا تكاد تخلو بقعة من الأرض إلا وتحتها قبور غائرة في التراب تضم أجساد قد تحللت ورمست وتحولت إلى هباءات وذرات متكونة في الأشياء وما الأرض إلاّ مصنع للتدوير ومالتراب إلاّ مزيج من رفات الكائنات الحية حيث يكمن السر وراء الطاقة المحركة لدورة الحياة.

فالتراب الذي يحوي الرفاتات القديمة المنصهرة في بطون الأرض والممتدة امتداد الزمن الجيولوجي العميق في حقيقتها ما هي إلاّ خامات عضوية لمفاعل التدوير الحيوي وشرارة البقاء بطاقة تمدها الأرض لما يدب على سطحها ومن سطحها لما تحتها، وهكذا تنطلق الحياة في صيرورة أبدية قائمة على التمويل المتبادل ما بين الأرض والأحياء.

بتعبير آخر أن جميع الكائنات الحية من إنسان وحيوان ونبات تتغذى على ما تجود به الأرض والأرض ذاتها تتغذى من الأحياء، وتحيلهم طعاماً بعد أن يعودوا رفاتاً لتبدأ حياة الأعقاب.

من هنا نفهم قصة «الآكل والمأكول» حيث أشار الشاعر إيليا أبو ماضي.

قد أكلناك وقلنا قد أكلنا الثمر
وشربناك وقلنا قد شربنا المطر

هذه هي بالضبط مسيرة دورة الحياة القائمة على فلسفة التبادل بين الأرض والأحياء وفق حقيقة الوجود الحيوي.

لنذهب لمسافة أبعد. لك أن تتخيل أن الأثاث والتجهيزات المنزلية بجميع أنواعها وأشكالها التي تحيط بنا ما هي إلاّ مظهر لتلك الحقيقة عندما كانت تلكم المواد ذات يوم نباتات ومواد خام تستمد قوامها الحيوي من رفات الإنسان والحيوان والنبات المتحلل في بطون الأرض، وقد أحالها الإنسان بعبقرية إلى تجهيزات وديكورات وملابس وزخارف وشياكة تسر الناظرين.

نستنتج من العلاقة التبادلية الوجودية بين الموت والحياة التي تقوم على قاعدة «خد وهات» أن الموت طاقة للحياة.

كم كيانٍ قد تلاشى في كياني واستحال
كم كيانٍ فيه شيء من كياني
لست أدرى

* الشاعر إيليا أبو ماضي

خفف الوطء ما أظن أديم
الأرض.. إلاّ من هذه الأجساد

* الشاعر أبو العلاء المعري

كل ذرات هذه الأرض كانت
أوجهاً.. كالشموس ذات بهاء

أُجلُ عن وجهك التراب برفق
فهو خدٌ لكاعب حسناء

* رباعيات الخيام للشاعر المعروف بعمر الخيام - فارسي وعالم فلك ورياضيات «1131-1048».

«تطؤون في هامهم وتستنبتون في أجسادهم وترتعون فيما لفظوا وتسكنون فيما خربوا».

الإمام علي - نهج البلاغة