آخر تحديث: 3 / 5 / 2024م - 8:22 م

لسانك أسدك، إن أطلقته افترسك، وإن صنته حرسك...

مصطفى صالح الزير

نحن نتأثر كثيراً من تفسيرنا للأقوال والأفعال الصادرة ممن حولنا وقرب العلاقة الاجتماعية منهم.

«التأثير يكون قوياً مع من لهم أهمية سايكولوجية [1]  في حياة الفرد منا والمجتمع».

ودرجة تأثيرهم علينا يكون كبيراً جداً، وأيضاً البيئة بكل ما فيها من تضاريس طبيعية ومناخية إلى آخره...

وهذا الكلام يكون واضحاً مع وجود تقييمات مختلفة لشخصية الفرد وسلوكه عند مجتمعه ومن يعاشرهم، فقد يكون طيباً في نظر البعض وقاسياً في نظر البعض الآخر، نشيطاً وكسولاً، معطاءً وأنانياً، أي أن الفرد قد يسلك سلوكاً مختلفاً في بيئات مختلفة ومع أشخاص مختلفين، لذلك بعض التغييرات في الحياة مؤثرة في الشخصية ومنها مكان السكن، والمدرسة، والعلاقات الشخصية الجديدة والأصدقاء، والتخصص الدراسي وطبيعة العمل والخبرات الجديدة وما نتابعه في وسائل التواصل الاجتماعي «والأفلام والإعلانات التجارية والمقاطع الصوتية والمرئية والرسائل الكتابية بكل أنواعها» لذلك اختر بعناية شديدة جداً، من تتابع، ومن تشاهد، ولمن تقرأ، ولمن تسمع، لأن هذا يسمى بغذاء الروح والقلب مثل غذاء الجسد، عندما تحاول أن تختار طعامك بعناية وجودة عالية، روحك أيضاً تحتاج هذا التدقيق في طعامها المرئي والسمعي والمقروء...»

يروى عن الإمام الحسن المجتبى سلام الله عليه:

عَجِبْتُ لِمَنْ يَتَفَكَّرُ في مَأْكُولِهِ كَيْفَ لا يَتَفَكَّرُ في مَعْقُولِهِ، فَيُجَنِّبُ بَطْنَهُ ما يُؤْذيهِ، وَ يُودِعُ صَدْرَهُ ما يُرْدِيهِ. [2] 

روح الإنسان تتغذى من أعماله وأقوله. عندما يستغيب يظن بأنه يتكلم فقط ويعطى کلامه للمستمع وهو لا يدري بأنه مشغول بالاستلام أكثر من عطائه للآخرين!! فالتکلم هو نوع من الأکل والاستماع نوع آخر منه والنظر نوع والتفکر نوع آخر، کلها تتحول إلى طعام للروح ولذلك؟ ُقال أن من يستغيب الناس صورته الروحانية کالکلب «أجلكم الله جميعاً» الذي يأكل الميتة في الدنيا ولا يدري.

انتبه ماذا تُطعم روحك فهي الباقية الخالدة والجسم بالٍ فانٍ.

ألفت نظرك لهذه الزاوية المفيدة جداً:

«أجّل تفسيرك وردة فعلك مع أي موقف غير جيد في المنزل والشارع والعمل وأي مكان آخر»، وسوف تحصل على نتيجة ممتازة نوعاً ما حسب وعيك، ويكون لديك حالة نفسية هادئة، حتى تجاوبك وردة فعلك سوف تبرد، ومع الأيام توصل إلى المرحلة الملكية «لا تُعِير بالاً ولا اهتماماً لتلك الأقوال والأفعال...».

ورد عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال في بعض خطبه: أيها الناس إعلموا أنه ليس بعاقل من انزعج من قول الزور فيه، ولا بحكيم من رضي بثناء الجاهل عليه، الناس أبناء ما يحسنون وقدر كل امرئ ما يحسن، فتكلموا في العلم تبين أقداركم. أي العاقل لا يضطرب ولا ينقلع من مكانه بسبب سماع قول الزور والكذب والبهتان فيه لأنه لا يضره بل ينفعه. والحكيم لا يرضى بثناء الجاهل بحاله ومعايبه عليه لأنه لا ينفعه بل يضره. وقوله: ”أبناء ما يحسنون“ من الإحسان بمعنى العلم يقال: أحسن الشيء أي تعلمه فعلمه حسنا. [3] 

لذلك يتأثر الإنسان تأثيراً قوياً جداً من «وارداته» و«صادراته»، ولا بد أن يكون *مراقباً لنفسه بشدة*، لأن *وارداته* «تصنعه...» و*صادراته* «تخبر عن باطنه...»، وكلام كل شخص دليل على شخصيته.

انتبه من وارداتك القولية والفعلية والبصرية والسمعية الفكرية...

وأيضاً صادراتك القولية والفعلية وخصوصاً أغلق باب النار ألا وهو فمك «لسانك»، حتى تكون «ملائكياً» و«كتلة من نور تضيئ في كل مكان تحل فيه.

والعكس صحيح إذا لم يراقب الإنسان نفسه ويترك لسانه يصول ويجول وفعله قبيح سوف يصبح «شيطاناً» وكتلة من نار تحرق كل شيء تصل إليه.

يروى عن رسول الله ﷺ: بلاء الإنسان من اللسان [4] .

وعن أمير المؤمنين علي : كم من إنسان أهلكه لسان [5] .

وعنه : رُّب كلمة سلبت نعمة، فاخزن لسانك كما تخزن ذهبك وورقك [6] .

فائدة:

من المعطيات الإيجابية لمجالسة العلماء والصالحين الربانيين هي انتقال الطاقة المعنوية التي يحملونها في داخلهم إلى من يجالسهم ويعاشرهم ولذا يمكن لمن يعاشرهم وبمرور الزمن أن يسيطر على أعماله وسلوكه ويسير نحو الحق والحقيقة نعم إن مصاحبة الأبرار تأتي بالبر وتوجد الخير والصلاح وأن الجلوس معهم يعطي شعوراً لفعل الحسن والعمل الصالح وعادة ما تنتقل الفيوضات التي يحظى بها الأخيار إلى من يصاحبهم.

فما بالك لو كنت جليساً لله عز وجل «صلاة - قرآن - دعاء - تفكر»، وزائراً لحبيب الله محمد وآله الطاهرين هنيئاً لكم.

أخيراً؛ دققوا واحكموا في اختيار الأستاذ والمعلم، لأنه كما يتحدث ويدرس تنتقل روحياته إليك.

هل أنت مستوعب لو كنت تتعلم من محمد وآل محمد أي روح تحمل بين جنبيك.


[1]  السايكولوجيا: هو العلم الذي يدرس الوظائف العقلية والسلوك، علماء النفس «السايكولوجيين» يهتمون بدراسة الشخصية، العاطفة، السلوك، الإدراك، والعلاقات بين الأشخاص وما شابه...

[2]  بحار الأنوار ج 1، ص 218

[3]  الكافي ج 1 ص 50,4- البحار.

[5]  غرر الحكم.

[6]  البحار.