آخر تحديث: 29 / 4 / 2024م - 8:50 م

من قتل ذلك الرجل؟

وسيمة عبيدي * صحيفة اليوم

يعتبر العقل البشري أعجوبة من عجائب الله ولغزاً طالما حير البشرية حله وفك شفراته ورموزه. وللعقل القدرة وببساطة على استعباد صاحبه والتأثير على حياته وتحركاته إذا سمح له بذلك، إذ يمكن للعقل أن يقنع صاحبه بأنه قادر على تحقيق أي شيء أو لا شيء، وربما توضح لنا قصة الرجل الذي قتله وهمه لأي درجة بإمكان العقل أن يتحكم في صاحبه ويؤثر عليه، تحكي القصة عن دخول عامل لثلاجة بحجم الغرفة تابعة لشركة بيع مواد غذائية وذلك لجرد البضائع التي فيها، فجأة وبالخطأ، أغلق العامل باب الثلاجة على نفسه وهو بداخلها وكان الباب لا يفتح إلا من الخارج، طرق الباب عدة مرات، لكن من سوء حظه لم يسمعه أحد، لأن الدوام كان قد انتهى وغادر جميع الموظفين لمنازلهم. في صباح اليوم التالي، وعندما بدأ الموظفون في التوافد، فتحوا باب الثلاجة ليجدوا الرجل ميتاً وقد ترك ورقة بجانبه كتب فيها ما كان يشعر به قبل وفاته، كتب في الورقة: أنا الآن محبوس في هذه الثلاجة ولا أحد حولي، أشعر ببرد شديد وبتنميل وقد بدأت أطرافي تتجمد، أجد صعوبة في التنفس، لقد تجمد جسدي، لا أستطيع التحرك، أشعر أنني أموت من البرد.. ثم بدأت الكتابة تضعف شيئاً فشيئاً حتى تلاشت، والعجيب في القصة أن الثلاجة كانت مطفأة وغير متصلة بالكهرباء إطلاقاً! إذاً من قتل ذلك الرجل؟

إن الخوف شعور بشري طبيعي لا يمكن إنكاره أو تجاهله، ومن أسوأ أنواع الخوف هو الخوف من فقد شخص أو شيء بعد التعلق به، حيث إن بإمكان ذلك الخوف أن يخنق الإنسان ويعيق حياته، وإذا حدث ذلك يصبح التخلي ضرورة. ولنا في قصة النبي موسى - - عظة وعبرة حين أوحى الله لأمه أن ترضعه، وإن خافت عليه، فلتلقيه في اليم..! هل من الممكن أن ننصح أمّاً خائفة على طفلها الرضيع من الموت المحتمل على يد فرعون إذا اكتشف وجوده أن ترميه في اليم للموت المحقق غرقاً؟

وفي الآية الكريمة: «ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها»، حيث يرشدنا - الله تعالى - لما يجب أن نفعله عند الخوف من قلة الرزق، وهو ليس أن نبخل ونكتنز المال، بل لننفق أكثر، نصائح إلهية غريبة تتجاوز نطاق العقل البشري، قال الإمام علي - -: «إذا هبت أمراً فقع فيه، فإن شدة توقيه أعظم مما تخاف منه». يتحكم عقل الإنسان في مشاعره جميعها بما فيها الخوف وبمساعدة قليلة من خيال الإنسان الرحب، يعطي للمشاكل والضغوط حجماً أكبر من حجمها الحقيقي. وبإمكان ذلك الخوف السيطرة على الإنسان بالكامل. ولذلك، يوجهنا الله في الآيات السابقة، بعدم الخوف وترك التعلق بأيٍّ من أمور الدنيا والتعلق به وحده فقط ثم التوكل عليه.