آخر تحديث: 29 / 4 / 2024م - 8:50 م

لا يمكنك أن ترى صورتك في الماء وهو يغلي «الغضب»

مصطفى صالح الزير

بِسْمِ الله الرحمن الرحيم

﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا سورة الشمس الآيات «7 - 10»

«العصبية» و«الحساسية التفسيرية» تظهر هذه الحالات في علاقة الإنسان بين مشاعره الجسدية والنفسية وتتجسد في كلماته وأفعاله و«سلوكياته».

لا ترى «صورتك» في الماء وهو يغلي إلا بعد «رُكُدِه»، وكذلك أنت، في حال الغضب «العصبية والحساسية التفسيرية» دَمُك يغلي وتحمر عيناك وتنتفخ أوداجك ولا ترى الحقائق إلا بعدما «تهدأ».

1- العصبية؟

هي شعور بالانفعال والتوتر والتهيج. يمكن أن تنتج عن مجموعة متنوعة من العوامل، مثل:

- الضغوطات: سواء أكانت ضغوطات العمل أو الدراسة أو المنزل أو الشارع أو العلاقات الشخصية والعائلية والاجتماعية، وعدم النوم الكافي وسوء التغذية.

- بعض الحالات الطبية: مثل اضطرابات القلق أو الاكتئاب أو فرط نشاط الغدة الدرقية."

- بعض الأدوية: مثل مضادات الاكتئاب أو المنشطات.

2- الحساسية التفسيرية؟

هي مصطلح يُستخدم لوصف ميل بعض الأشخاص إلى تفسير المواقف والأحداث بطريقة سلبية أو متحيزة. يمكن أن تؤدي هذه الحالة إلى مشاعر القلق والاكتئاب والغضب «تصبح سريع الانفعال والعصبية».

وهي استجابة مبالغ فيها وأقصد هنا حساسية الشخص من تفسيره السلبي للمواقف والأقوال والأفعال الصادرة ممن حوله وسوء ظنه الذي يطغى على تفكيره الحسن.

وبسبب هذه النظرة السوداوية في معظم المواقف يزداد إفراز هرمون الكورتيزول: «وهو عبارة عن هرمون التوتر الذي يمكن أن يثبط «الجهاز المناعي» ويجعله أكثر عرضة «للأمراض» والتفاعلات التحسسية لدى الإنسان».

ورد عن الإمام الباقر : إن هذا الغضب جمرة من الشيطان تتوقد في قلب ابن آدم، وإن أحدكم إذا غضب احمرت عيناه، وانتفخت أوداجه، ودخل الشيطان فيه. «البحار».

وعن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب : الحدة ضرب من الجنون لأن صاحبها يندم، فإن لم يندم فجنونه مستحكم «نهج البلاغة».

وعنه : الغضب يفسد الألباب، ويبعد من الصواب «غرر الحكم».

وعنه : أقدر الناس على الصواب من لم يغضب «غرر الحكم».

وعن الإمام الصادق : من لم يملك غضبه لم يملك عقله.

تعرف على قوى نفسك حتى تتحكم في أعصابك لأن النفس البشرية تمتلك أربع قوى تجمع في طيّاتها كلّ فضائل الأخلاق ورذائلها أيضاً، وهذه القوى هي:

1- قوّة عقلية «ملكية»: ووظيفتها إدراك حقائق الأمور، والتمييز بين الخيرات والشرور، والأمر بالأفعال الجميلة، والنهي عن الصفات والأفعال الذميمة القبيحة.

2 - قوة غضبية «سبعية»: وهي التي تصدر عنها أفعال السباع من الغضب والحقد والحسد والعداوة، والاعتداء على الناس بكلّ أنواع الأذى.

3- قوة شهوية «بهيمية»: وهي التي تصدر عنها الأفعال المرتبطة بشهوة الجنس وشهوة البطن والحرص على الملذّات والشهوات.

4- قوة وهمية «شيطانية»: ووظيفتها اختراع أساليب المكر والحيلة والدهاء، والتوصّل إلى مرادات الإنسان وأهدافه بالخداع والكذب وما شابه ذلك.

والأساس في هذه القوى الأربع للنفس هي ”القوى العقلية الملكية“ التي تدرك ما يجب فعله وما لا يجب، وهي التي تضبط حركة قوى النفس الثلاث الباقية حتّى تبقى ضمن حدود الشرع الحنيف فلا تخرج عن الضوابط والموازين الإسلامية.

ولذا يُقال للنفس التي تغلب قوّتها العقلية القوى الأخرى في النفس بأنّها ”النفس المطمئنّة“ لأنّ القوى الثلاث تأتمر وتنزجر بالقوّة العقلية التي تحدّد قواعد السلوك وأين ينبغي التوقّف وأين ينبغي الفعل.

ومن هنا حاول أن تنمي القوة العقلية حتى تستطيع التحكم في أعصابك وانفعالاتك.

بعض أعراض العصبية والحساسية التفسيرية:

- التهيج: الشعور بالغضب أو الانزعاج بسهولة.

- الأرق: صعوبة في النوم أو البقاء نائمًا.

- التعب: الشعور بالإرهاق أو قلة الطاقة.

- الصداع: ألم في الرأس.

- صعوبة في التركيز: الشعور بالارتباك أو النسيان.

يمكن علاج العصبية بطرق كثيرة منها:

كلما كان الإنسان قريباً من الله تعالى في الصلاة وقراءة القرآن الكريم والأدعية الشريفة... ازداد هدوءه واستقراره وسكينته وحسن توكله على الله استطاع السيطرة على نفسه والتكيف مع أصعب المواقف وأشد الظروف المحيطة به.

العلاج النفسي: مثل العلاج المعرفي السلوكي، الذي يمكن أن يساعدك على تعلم كيفية إدارة مشاعرك.

- تعلم كيفية إدارة التوتر: يمكن أن يساعدك ذلك على تقليل أعراض العصبية والحساسية التفسيرية.

- احصل على قسط كافٍ من النوم: يمكن أن يساعدك ذلك على الشعور بالراحة وتحسين مزاجك.

- اتبع نظامًا غذائيًا صحيًا: يمكن أن يساعدك ذلك على تحسين صحتك العامة وتقليل أعراض الحساسية التفسيرية.

- مارس الرياضة بانتظام: يمكن أن يساعدك ذلك على تحسين مزاجك وتقليل التوتر.

خلاصة: عصبيتك وغضبك وحساسيتك التفسيرية «تتفاعل» مع «تفسيرك»، ومن هنا منشأ معظم المشاكل من التفسير الغير جيد والاحتراق الداخلي المشتعل بنيران «الشيطان الرجيم» و«نفسك الأمارة بالسوء: هي شديدة الأمر».

فائدة:

يقول علماء النفس بأن غضبك يعتمد على تفسيرك، والحل: «أجل تفسيرك» ولا تتخذ أي قرار وأنت في حال الغضب... لأن تفاعلك راح يقل مع التأجيل ويضعف بشكل كبير جداً.

وأخيراً، أهم نقطة: التحدث مع شخص يخاف الله عز وجل ومُخّلِص في أقواله وأفعاله من أهم الطرق الفعالة والناجحة للتعامل مع المشاعر الصعبة، مثل العصبية والحساسية التفسيرية، ويساعدك أيضاً على الشعور بالراحة والدعم والقوة حتى بكلمة واحدة صادقة منه يؤثر فيك وخاصةً عندما تشعر بالتوتر أو الإزعاج.

ويساعدك على فهم مشاعرك بشكل أفضل، ويساعدك على تعلم كيفية التعامل مع مشاعرك بشكل صحي، وتطوير مهارات التكيف مع كل الصدمات والأزمات المادية والمعنوية.

أصلح تفسيرك، يَحسُن تدبيرك.