آخر تحديث: 30 / 4 / 2024م - 1:07 ص

أسلوب حياة في أيامٍ معدوداتٍ!

ليلى الزاهر *

في نهاية الشّهر الفضيل ثمّة ألم ينفذ لقلوبنا بفراق هذه الأيام المباركة أيام شهر رمضان المبارك ونتمنّى أن نُعاود صيامه مرة أخرى، ونُعطى فرصة جديدة لنعيش لذّة هذه الأيام مرّة أخرى بكلّ جلساتها الإيمانيّة.

كم سمعتُ هذه العبارة التي ترددتْ على كثيرا على ألسنة النّاس!!

«ما يحلّ ويعود إلّا على طويل العمر»

هل نعود من جديد بعد مضي عام؟!

أما شهر رمضان فسوف يعود مُجددًا ولكن هل لنا من عودة مُجددة مع قدومه في العام المقبل بإذن الله»

شهر رمضان ليس أياما معدودات وإنّما هو أسلوب حياة، شهر رمضان مدرسة تعليمية متكاملة، كل يوم منه باهض الثمن، وكل ساعة فيه رحلة من الذنوب والخطايا إلى ساحة الله الرحِبة.

وفي هذه الرحلات الرمضانيّة المختلفة لابد أن نكون قد وقفنا على حقيقة أنفسنا بعد تحوّلات كثيرة طرأت على حياتنا، تطوّر من خلالها إدراكُنا بعلاقتنا مع الله تعالى.

لعلّي أردت حقيقة تصنيف العلاقة الفعليّة بين العباد وخالقهم لذلك راودتني نفسي لكتابة هذه الكلمات.

لقد لمستُ صبر بعض النّاس على الكثير من بلاء الدنيا مبتعدين عن «عبادة الحرف» وأقصد بذلك ما ورد في كتاب الله تعالى:

﴿وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى‏ حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَ إِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى‏ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ «سورة الحج: 11»

ورأيتُ الكثير يتّجه للعبادة والدّعاء من أجل استنزال الرزق والطمع فيما عند الله تعالى والتماس بعض العطاء من خزائنه الملكوتيّة فيسأل الله من فضله وكرمه كما أمرنا الله تعالى في كتابه حين يقول:

﴿وَ سْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيماً «سورة النساء: 32»

وهذا أمر مندوب إليه، مُحبب القيام به مع الأخذ بالأسباب.

ولا بأس بهذه الفئة من النّاس فهم يحاولون تطوير علاقتهم بالله تعالى يوما بعد آخر ويقدّرون نعمة العطاء ولايجهلون قواعد المنع.

ومن النّاس من يسعى لابتكار علاقة نابضة بالله تعالى فقد استبصر قبل فوات الأوان؛ فأصبح يرى الله في كل عمل يمارسه وفي كل قول يلفظه، كشف الحجاب بينه وبين الله تعالى، يستشعر وجود الله في كلّ خطوّة يخطوها، وكلّه رغبة له في شهر رمضان تُصب في تواجده بأماكن ذكر اللهِ تعالى المُختلفة مهما كان ثُقل عمله، وضغط وقته.

هؤلاء رسموا علاقة حبّ مقرونة بالخوف من الله تعالى، ألبسهم الله من جماله وجلاله الذي بدا على ملامحهم، فكانت خلواتُهم بالله نورًا على نور.

أما القسم الثالث من النّاس فقد نام على وسادة الاطمئنان وراحة البال ويصدق عليه قوله تعالى:

﴿سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ [سورة محمد: 5]

لايظهر التّذمّر من بلاء، ويضع كلّ شيء في موازينه الخاصة، لم يعبد الله على حرف، بل يستشعر نعم الله ويرى مالا يراه الناس، يفرح بكوب الماء الذي وُضع على مائدته.

يشعر بأنّ الله تعالى هو الأب السند والأم الرؤوم.

هؤلاء هم من «أصلح الله بالهم».

والبال هو موضع الفكر، والفكر موضعه العقل والقلب.

لذلك كانت قلوبهم وعقولهم سليمة من رجز الحياة، يمتلكون حكمة بالغة ونظرة بعيدة المدى ورَأْي ثَاقِب.

أضف إلى ذلك فهم مؤمنون بأنّ العبادة ليست كثرةَ الصّيام والصّلاة، وانّما العبادةُ كثرةُ التَّفكّر فى أمر اللّٰه.

هذه الفئة من البشر امتلأت قلوبهم بحب الله تعالى ويعشقون لقاءه، ويتذوقون حلاوة القرب الإلهي، يخاطبون الله بلسان الإمام زين العابدين وإمام المحبين حين يقول: «من ذا الذي ذاق حلاوة محبتك فرام عنك بدلاً، ومن ذا الذي أنس بقربك فابتغى عنك حولا» ‏⁧‫

هم يرون شهر رمضان إنجازًا عظيما وفرصة ذهبية للفوز بهدايا الله الثمينة.

توقفوا لأداء الصيام كما كنا نتوقف لأداء الصلاة ونقفل التّلفاز عندما كنّا صغارًا.

وكانوا يرونه مضمار سباق كما وصفه البصريّ ”إن الله جعل شهر رمضان مضمارًا لخلقه، يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، ‏فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا“

كانوا يرددون:

‏كل شيء يمكن أن نؤجله إلى مابعد الشهر الفضيل، هو ضيف يأتي مرّة واحدة ولذلك يجب إكرامه قدر المستطاع.

‏والبخيل فعلا من شهد الشهر الفضيل ولم يعطه حقّه.

والآن قد نفدت أيام الشهر الكريم وأقبل العيد يشقّ القلوب بفرح وسعادة، الجميع أحضر حلوى العيد ‏وبدورها تلك الفاتنة التي احتضنت العائلات المختلفة فإنّ حلوى العيد تتألق بالحبّ، لاتشعر مع أصحابها بخدر المشاعرِ، وثقوب في القلب تنفذُ خلالها أحاسيس السّلام.

‏مع حلوى العيد، تستحضرُ تدفّق الزّمن، فتشعر بالسّعادة والبهجة، والحب الذي يغمر القلوب هذا ما أحدثه الشهر الكريم في إيام معدودات، هو صاحب يستحق الارتباط القوي، اصطحبوه إلى باقي عامكم

‏رمضان ليس شهرًا بل أسلوب حياة ‏وبداية التغيير.