آخر تحديث: 29 / 4 / 2024م - 8:50 م

رائحة المجلس وابتسامة جدتي

عبد الله حسين اليوسف

مع كتاب نجم تعانقه الشواطئ رؤية نقدية في تجربة حسن الشيخ السردية

للمؤلف/ عقيل بن ناجي المسكين الطبعة الأولى

1439/2018

جزء من المقدمة:

فنيات دراسة السرد:

دراسة السرد، ليست من السهولة بمكان، ولكنها ليست مستحيلة على الكاتب الجاد والقارئ المتتبع، لا سيّما أن هذا الجنس الأدبي ليس جديداً وليس طارئاً على الساحة، فهو قديم قِدَم الحرف والكتابة، فالحكي والقص جزء لا يتجزأ من ثقافة الشعوب منذ القدم، وفي عصرنا الحاضر كثرت فنون الكتابة في هذا الجنس الأدبي.

1/رائحة المجلس:

تدور أحداث القصة حول مجلس الحاج محمود في حي الفوارس والدور الذي لعبه هذا المجلس في الكثير من القضايا الاجتماعية والسياسية والدينية. ويبدو لي أن النص مشروع رواية غير أن القاص اختزله في قصة قصيرة معتمداً فيها على الوصف، وفي وصفه يتجلى المكان بجمالياته. "هذه الدار ليست واحدة من الدور العديدة التي عرفتها الأحساء في عهدها التركي القديم. بل تختلف عن مثيلاتها في حي «الفوارس» لا باتساعها وعلو جدرانها المبنية من الطين، وسقفها المميّز بأخشاب «الجندل» والمفروش بجريد النخل... بناها من الأحجار والطين ومسح جدرانها «بالجص الخكري» ليكون ملمس الجدران ناعماً وسقف جدرانها بأخشاب «الجندل» من الهند، وخلافاً لدور الفوارس الأخرى فإن دار الحاج محمود بنيت من طابقين. زين مداخلها بالأقواس الجميلة، أما مدخل الدار فعبر بوابة كبيرة «الدروازة» ذات الألواح الخشبية الراسية، والتي يرتبط بعضها ببعض من الداخل بعوارض أفقية، تُثبت فيها الألواح الخشبية بواسطة مسامير ضخمة ذات رؤوس مدورة دقت على أشكال هندسية جميلة على أوجه الباب الأمامي. ومن وسط الباب «الدروازة» توجد به قطعة مقعرة من النحاس، تستخدم كجرس لمناداة أهل الدار. وتفضي البوابة الكبيرة إلى «دهليز طويل، يؤدي هو الآخر إلى وسط الدار «الحوي»، وهو عبارة عن مساحة كبيرة مفتوحة من الأعلى تحيط به الغرف المتعددة»

وهذا النص حافل بذكر التفاصيل، ففي مقطع آخر «الذكريات تتطاول متشابكة، والليل يلف بيوت الفوارس بخدر وهدوء حذرين لا يرى فيهما إلا أنوار مجلس الحاج محمود المنسكب من خلال «الدرايش» على الزقاق الضيق المظلم. والمجلس الكبير «بالروازن» العديدة المحيطة به، والنقوش الجميلة التي تزين جدرانه تُضيف على المجلس «بوجاره» جمالاً ورونقاً تجذب إليه الجلساء، وتُشير إلى اعتقاد الحاج في أن العمل عبادة، وافتتاح المجلس ليلياً طوال السنة عمل أيضاً ولكن في المجال الاجتماعي؛ لذلك فقد فرشه الحاج «بالمداد» فوقها قطع من «الزوالي» العجمية التي أحضرها معه من العراق وإيران، وأحاط الجدران «بالمساند» فوق «الدواشق» الأنيقة».

يُظهر هذا الوصف الدقيق جمالية المكان «المجلس» وانعكاسها على جميع التفاصيل، كما يظهر العقيدة الجمالية التي تقف خلف ذلك.

2/ابتسامة جدتي الأخيرة:

هذا النص كتب على شكل ومضات حافلة بالذكريات، منغمسة في المكان في ثنائية المدينة والصحراء، "ولكن «الدهناء» تحزم وسطهاوتحتضن «الهفوف» واحة غافية على صدرها...

«الهفوف» المدينة الحلم.. الواحة الملتفعة بسعف النخيل. أركض في صكيكها المغبرة... واغتسل في عيونها كالحراسين"

”أقف على عتباتها وأتطلع في الوجوه بدهشة.. الوجوه الطيبة المتعبة، وأصافح الأيادي الخشنة التي شققها «المحش» وبنى عليها الطين والطمي، أدخل سوق «القيصرية»، إنها الهفوف قبل الميلاد بألف عام. أشتم عبق التاريخ وأتلمس الماضي الجميل دون صخب... وأتوسد البرسيم وسيقان الأرز، فتمتلئ عيني بالنعاس اللذيذ. في ذلك السوق بدت طفولة الهفوف وبدت طفولتي متعانقتين في سوق الدهشة“.

يظهر النص مدى التوحد بين الإنسان والطبيعة والرؤية الجمالية للمكان من خلال الذات.

قراءة ممتعة للكتاب وكما قيل...

وغدًا سَيجرِي دمعُ عينِكَ فرحةً
‏وترى السحائبَ بالأمانِي أَمطرتْ

‏وترى ظروفَ الأمسِ صارَت بلسَمًا
‏وهي الّتي أعيَتْك حينَ تعسّرَتْ

‏وتقولُ سبحانَ الّذِي رفعَ البَلا
‏مِن بعدِ أن فُقِدَ الرجاءُ تيسرتْ

جمعة عامرة بذكر الله