آخر تحديث: 29 / 4 / 2024م - 12:09 م

مسئولية الزوجين المشتركة في نظر الزهراء (ع)

لا يمكننا الحديث عن أهم مبادئ السعادة والاستقرار في الحياة الزوجية بعيدا عن مجريات وتفاصيل حياة الزهراء وعلاقتها بزوجها وأولادها، حيث قدمت الدروس البليغة التي ترسم معالم ثقافة الحقوق والواجبات، وأعطت من الوصفات السحرية التي يعالج بها حدوث أي خلل أو مشكلة ناشئة بين الزوجين، وقد كانت سيرتها المعطاءة تمثل كمال الأداء الوظيفي، حيث يشهد أمير المؤمنين بأنها لم تغضبه يوما قط، بل كانت تجسيدا للعطاء المسهم في تشييد البيت النوراني، والذي قامت دعائمه على الحب والاحترام والعطاء دونما ملل أو كلل، فكانت ابتسامتها عنوان العاطفة الصادقة، والتي تزيح عن كاهل الزوج كل هم يشعل قلبه.

ولنتمعن فيما ورد من سيرة الزهراء في أداء الجزء المهم من أعباء المنزل، فقد كانت فاطمة تطحن بالرحى حتى أثّرت الرحى بيدها، واستقت بالقربة حتى أثرت القربة بنحرها، وكنست البيت حتى اغبرّت ثيابها، وأو قدت تحت القدر حتى طبع الدخان أثره على ملابسها وترك لونه على ثيابها....

هذا ما يثير تساؤلا مهما عن مبدأ تحمل المسئولية من قبل الزوجين، وإسهامهما المثمر عند قيامهما بما يجب عليهما من واجبات مادية أو معنوية ترسي المحبة وراحة البال.

فالأسرة السعيدة ليست عنوانا ترفيا لا يجد له حظا من التحقق في أرض الواقع، بل هو عين توظيف قدرات الزوجين الفكرية والمهارية في بناء حياة مشتركة تبرز فيها معالم التعاون والثقة والانسجام، والعمل المتآزر منهما في معالجة أي مشكلة أو عقبة تقف أمام استقرارهما وهنائهما.

وتحمل المسئولية من القيم التربوية التي ينبغي أن تنشئ الأسرة أبناءها عليها، وتعويدهم وتدريبهم منذ الصغر على المشاركة البسيطة في تحمل مسئولية ترتيب وتنظيف غرفهم الخاصة، والقيام ببعض أعمال المنزل التي تناسب قدراتهم، فتحمل المسئولية سلوك يلازم ذاك الشخص الذي تلقى دعما من أسرته جعله يتخلى عن الكسل والأنانية والاستهتار.

ومن المشاكل التي تعصف باستقرار الحياة الزوجية هي حالة التخلي عن العمل المشترك بين شريكي الحياة والإسهام في بناء مظلة الأمان والاستقرار في حياتهما، فذاك الزوج المتخلي عن مسئوليته يعيش وكأنه لا يوجد في حياته زوجة مسئول عن شئونها والعمل على إسعادها، فضلا عن إهمال تربية الأبناء مستقبلا وتخصيص جزء من وقته لمتابعتهم وتوجيههم، فيطغى عليه الاستهتار وقضاء معظم وقته خارج البيت بحالة من العزوبية المزمنة فلا يلقي أي اهتمام بأسرته.

وتلك الزوجة التي تجعل الاهتمام بشئونها الخاصة كزياراتها وتسوقها وتنزهها هو الأولوية في حياتها، فلا تبدي أي اهتمام ببناء علاقة ناجحة مع زوجها، ولا تعتني بعقد ورقة تفاهم أولي مع زوجها يتفقان فيها على أهم الأهداف المستقبلية لحياتهما، ويغيب الاتفاق على طريقة معالجة أي سوء تفاهم ينشب بينهما، فيكون حينئذ طريق الزعل والمشاحنات والصمت والتجاهل مؤدى أي مشاحنة تستعر.

تحمل المسئولية من قبل الزوجين يفرض وجود خارطة طريق يتضح منها معالم الاستقرار والسعادة الحقيقية، وأولى نقاطها البارزة هو الاتفاق على مفردات ثقافة الحقوق الزوجية والاهتمام بشأن الآخر الذي يبني العاطفة الصادقة بينهما، والاتفاق على واجبات المنزل الداخلية والخارجية وتقاسمها، ليكون البرنامج اليومي هو عناية وحوار وتبادل للمشاعر وكسر للروتين من خلال النزهة وغيرها.

الاستقرار والهدوء والشعور بالسعادة مسئولية مشتركة يتحمل أعباءها الزوجان، والاستظلال بالحب ينجم عن توظيف كل القدرات والمهارات العقلية والعاطفية والانفعالية لتسير باتجاه واحد وهو تنمية التقارب والتوافق بينهما، فمهارة الصبر والإنصات للآخر والسؤال الدائم عن أحواله واهتماماته، ومساعدته في تجاوز أي مشكلة يمر بها يقوي تلك العلاقة، ويجعلها عصية على الانفصام عند حدوث أي خلاف بينهما، ويجعل من التفاهم لغة مشتركة للحوار.