آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 4:55 م

وحين يكون اليراع «رغبة جامحة»

جمال الناصر

إن المجموعة القصصية ”رغبة جامحة“ للقاصة أميرة الشمر. تأخذنا - أميرة - في مجموعتها القصصية، لنبصر الأنثى، كيف تستفيق عبر أنامل يراعها لتبث شكواها وأمنياتها وأحلامها، بلغة بلاغية تستفز المُتلقي، لتجعله يستيقظ من العتمة، مجدفًا ناحية الضوء. إنها عنونة مجموعتها برغبة جامحة، التي جاءت عنوانًا لإحدى قصصها، هنا قد يُعاب جماليًا أن يتم وضع عنوان قصة، كعنوان مجموعة قصصية، بحيث تُعطي المُتلقي، مسبقًا تصورات ذاتية عن توجه الكاتبة، الذي قد لا يتفق معها القارئ. وعليه فإن عنوان المجموعة - برأينا القاصر - تطفلاً، جاء وافيًا من جهته البلاغية، خصوصًا أن مجمل النصوص عنصرها الأساسي المرأة، كحالة عشق معجون بالشقاء ورومانسية لقاء الكلمات.

في قراءة نقدية على مجموعتها الأولى ”عش الحنان“، التي كتبتها سابقًا، أشرت فيها، بأن - أميرة -، في إصدارها الجديد، سيكون عنصر البلاغة فيه ليس مراهقًا، وإنما سيكون خصبًا. إن نصوص ”رغبة جامحة“، معتقة بخصوبة تراب الكلمات بلاغيًا، وهذا جلي إذا تعمقنا في المفردة، كذلك في التعبيرات البلاغية - الصور الجمالية -، أكانت في تركيب المفردات أم في المعنى الضمني - إن درامية المعنى، الذي يُستشرف من خلال غربلة المعاني -، إضافة إلى حياكة النهايات المفتوحة، كزخرفات فستان لا انتهاء لها، سوى انتشاء جمالية المعنى، والإبحار في استنطاقه - المعني في القصص القصيرة جدًا -.

إن الأنثى في حكايات - أميرة -، لها صبغتها الواقعية، تأخذ من الواقع مادتها ولغتها، هنا كيفية قدرة القاص على استنطاق الواقع في جعله نصًا أدبيًا، يحدثنا في انجذاب كنه أرواحنا ومشاعرنا، يحتاج حرفية وإتقان نوعي. إن القاص الذي لا يقتحم ذاتية المُتلقي، لا يُعد كونه - حكواتي - تنتهي متعة حكاياته بانتهاء الحكاية، لهذا تتمتع هذه المجموعة - رغبة جامحة -، بأنها تسكننا آنية قراءتها وبعدها، لها امتداد المسافات، تفكيرًا وعاطفة، انغماسًا في الواقع، كأنه قهوة فرنسية، تبقى رائحتها بين الشفتين، نتناغم معها، لنستكشف مذاقها، تأملات ذوقية.

إنه وفي قصصها القصيرة جدًا، قد يصنفها البعض، بأنها شبه خاطرة - لربما -، هنا لا يُلام البعض في هكذا تصور، لأن الذائقة اعتادت كلاسيكية كتابة القصة، بكونها درامة تعتمد على قاعدة أساسية في البناء، على حد سواء الهيكلي أو الموضوعي. ونقولها بجزم اللغات حين تجزم: إن النص القصصي حين يُقرأ من أكثر من قارئ، ليخرج الكل بذات الفكرة وذات الذبذبة الشعورية. نص لا ينتمي للإبداع بصلة ولا ظل، ليكون مُجرد سرديات - حكواتية -، ونستشهد بقول الأديب الإنجليزي برنارد شو، حيث قال: اللاقاعدة، هي القاعدة الأساسية. وعليه نأمل أن تستمر القاصة - الشمر - في اتخاذ مسلكها الكتابي في القصص القصيرة جدًا، كريشة فنانة تُبدي النص رطوبة اللوحة الفنية - التشكيلية -، لتجعلها ومضات قصص ولوحات، تستهوي القارئ، لترتقي بذائقته، فما عادت ذائقة المُتلقي تستوعب رداءة النص الأدبي.