آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 1:39 ص

الجعفري والإسلام السياسي

رائد قاسم *

تابعت باهتمام الحوار الجميل بين الدكتور ابراهيم الجعفري وزير خارجية العراق والدكتور محمد مختار مبروك وزير الاوقاف المصري، وكعادته كإسلامي عريق اخذ الجعفري يسوغ لحاكمية الدين على السياسة، مستشهدا بالنبي محمد، الذي عمل على تأسيس دولة والدعوة الى دين في آن واحد، وانتهى به المطاف الى تأسيس الدولة العربية وسيادة الديانة الاسلامية، وهي من اهم الحجج التي تسوقها احزاب الاسلام السياسي.

وزير الاوقاف المصري قال بأنه يرفض تسييس الدين واستخدام الدين في السياسة، بينما يصر الدكتور الجعفري على رفض ذلك، مشددا على ان المرفوض هو توظيف الدين لتحقيق اهداف سياسية.

ان الخلل في البيئة السياسية العربية هو في الاسلام السياسي بحذ ذاته، اذ ان النشاط السياسي وفقا لمرجعية دينية سيؤدي لا محال الى توظيف الدين لخدمة اغراض سياسية، نظرا لكون الدين نص صامت، يفهم ويطبق وفقا للثقافة السائدة والبيئة التي يتحرك من خلالها.

بينما السياسة كنظام وممارسة قائمة على المصالح والمتغيرات السريعة، اما الدين فحركته بطيئة ودو قوانين جامدة ومتزمتة، بحيث لا يمكنه مجارات ايقاع البيئة البشرية ذات الطبيعة المتشعبة والمتطلبات المتعددة التي تحكمها انظمة تضم كيانات وتفرعات وامتدادات متشابكة ومعقدة.

عندما مارس النبي محمد السياسة وشن الحروب بهدف تأسيس دولة، كان ولا بد من وصلها بالدين، اذ ان كل من النظامين السياسي والديني مرتبطين ارتباطا وثيقا، اذ كان لكل دولة في تلك الحقب التاريخية سلطتين زمنيتين، سياسية ودينية، فالدولة الساسانية مثلا كان دينها القومي «اي انه نشا في بلاد فارس» الزرادشتية، وكانت المسيحية الدين الرسمي للدولة البيزنطية، لذا كان من المستحيل في تلك الحقب ان يسود دين من دون دولة، او ان تؤسس دولة من دون دين، «أي دولة علمانية او مدنية وفقا لمفاهيمنا المعاصرة» ولم يكن محمد النبي ليشذ عن هذه القاعدة.

كما انه لم يشذ عن اية نواميس كانت سائدة في عصره، فقد شيد دولته بالحرب والغزو، وجاءت بعده في الحكم قبيلته قريش، بل وتنازعت قريش الحكم بين فروعها «علويين - امويين - عباسيين».

بل وجرى على الاسلام ما جرى على غيره من انقسامه لعدد كبير من المذاهب والمدارس.

وكما في الامم الاخرى التي تقوم على ثنائية السلطة «المؤسسة السياسية - المؤسسة الدينية» فقد تحولت السلطة في الدولة العربية التي أسسها النبي محمد من فردية قائمة على وحدة المؤسستين السياسية والدينية في العهدين النبوي والراشدي الى ثنائية ابتداء من العصر الاموي.

ويستشهد الدكتور الجعفري بآيات من القران الكريم «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ - الظالمون - الفاسقون» كنصوص قطعية على وجوب السعي لإقامة حكومة دينية، وكدليل حاسم على الارتباط المفصلي بين الدين والدولة.

وبناء على هذا التصور فأن معظم الدول والامم والشعوب في عصرنا تنطبق عليها مضامين هذه الآيات، وعليه فأن دول مزدهرة كنيوزيلندا وفنلندا والدنمرك، تديرها حكومات كافرة وظالمة وفاسقة، وتعيش فيها شعوب ضالة، على الرغم من انخفاض نسب الجريمة والفساد، وتقدم البيئة الوطنية وازدهارها على مختلف الاصعدة والمستويات.

بينما دولة كالعراق التي تحكمها اليوم الاحزاب الدينية وتسودها ثقافة دينية واسعة النطاق، تعتبر وفقا لهذا المعيار دولة رسالية، بالرغم من تبؤها المركز 166 من اصل 174 دولة شملها تقرير مدركات الفساد لعام 2016، عدا ما يشهده العراق من حروب داخلية، ودمار واسع النطاق للبنى التحتية، وتصنيفه في قائمة اخطر الدول واقلها امانا على مستوى العالم.

لا شك ان معضلة العالم العربي تكمن في عدم اجراءه لعملية الفصل بين النظامين الديني والسياسي، وانها لجراحة غاية في الصعوبة والالام المبرحة، الا انه لا بد منها اذا ما ارادت الشعوب العربية والمسلمة الخروج من مازقها الحضاري، ويكفي ما عانته خلال الاربعين عاما الماضية من تجارب لم ينتج عنها سوى المزيد من الخراب، ابتداء بالثورة الدينية في ايران التي اوصلت الاسلاميين الشيعة الى السلطة، الامر الذي اوجد ردة فعل عارمة في اوساط الاغلبية السنية دفعتها الى تقديم نموذج موازي، فكانت الصحوة الدينية في مختلف البلدان والمرجعيات الدينية والمذهبية في العالم العربي، نتج عنها ظهور التنظيمات الدموية، كحزب التحرير وجماعة التكفير والهجرة والقاعدة واخيرا داعش، علاوة على ما خلفته من بروز للتيارات المتطرفة والافكار المتعصبة المعادية لمنتجات الحضارة ونظمها الثقافية والقيمية، ورفض لواقع التعددية وثقافة الاختلاف، والشيوع المدمر للصراعات المذهبية والطائفية واستفحال مشاعر الكراهية والبغضاء، والوقوع المدوي في وحل التراث.

الامر الذي اذى الى تفكك بنيوي خطير في المجتمعات العربية، نتيجته ما تعانيه شعوب اليمن وسوريا ولبنان والعراق من حروب ونزاعات عاتية، ربما تمتد الى اقطار اخرى، اذا لم يتدارك الامر ويفصل ما بين النظامين الديني والسياسي، ثم القيام بإصلاحات شاملة وعميقة في البيئة العربية.

آن الاوان لطي صفحات الماضي والسير نحو الغد بخطى ثابتة تستند على الحرية بكل ما تحمله من نور وأمل وعطاء.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
علي
[ الربيعية ]: 28 / 4 / 2017م - 3:45 م
وتستمر الشبهات والأسطوانات المشروخة المكررة مع احترامي لشخص الكاتب , فإنه لا يخفى على القارئ الكريم ما في هذا المكتوب من المغالطات والإصرار على إيجاد روابط بين أشياء أجنبية عن بعضها البعض.

أولا- حكمت على الدين بأنه لا يمكنه مجاراة البيئة ذات الكيانات المتعددة . وهذا يعني أنك قد وضعت في ذهنك تصورا معينا للمجاراة , وفق معاييرك البشرية غير المعصومة , وجعلت هذا المفهوم معيارا للحق والباطل . فلما لم يكن الدين موافقا على هذه (المجاراة) , صار الدين ناقصا لا يتمكن من إدارة الحياة. لم لا يكون القانون الإلهي هو المعيار في (المجاراة) الصحيحة,وبأي حق تجعل رأيك هو الحاكم على التشريع الإلهي؟ولا أدري كيف يتعبد الكاتب الكريم بدين ناقص فاشل!

ثانيا- مسألة توظيف الدين في السياسة : الذي يدعو إليه دعاة الدولة الدينية هو التالي : أن نأتي للقوانين الدينية ونطبقها بحذافيرها في المجال الدنيوي , فإن وجدنا قانونا دينيا (قد) يتعارض مع ما يسمى (مصلحة) فحينئذ ننظر : هل يجيز القانون الديني تخطي بعض القوانين الدينية لأجل عدم التصادم مع المصالح المؤقتة , وهل الأمر على إطلاقه أم أن هناك تفصيلا بين المصلحة (أ) والمصلحة (ب)؟ فإن جاء الجواب : "نعم" , التزمنا بذلك. وإن جاء :"لا" , التزمنا أيضا بذلك.
مثلا:تخريب المسجد حرام. لكن إن أدى عدم تخريبه إلى نزاع بين أربابه جاز هدمه. ففي هذا المثال:أمرنا الدين بأمر فلاني,وأمرنا أيضا بأن لا نمتثل لهذا الأمر إن تعارض مع المصلحة الفلانية,فوظّفْنا (الدين) في خدمة (الدين) , لا في خدمة (المصلحة).وهكذا رأينا أن كل تقديم وتأخير لا بد وأن يسوّغه القانون الديني , وإلا فهو غير ذي قيمة وإن اكتسى ثوب (المصلحة).

ثالثا- تقول (عندما مارس النبي محمد السياسة وشن الحروب بهدف تأسيس دولة، كان ولا بد من وصلها بالدين) أفضل محمل يمكن أن يحمل عليه كلامك هو أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان بصدد تأسيس دولة (مدنية) , لكنه رأى أن (الوضع ما يمشي) فقلب رأيه إلى تأسيس دولة دينية حفاظا على المصلحة . وهذا كلام وتحليل لا دليل عليه ولا مصدر بل كل الشواهد على خلافه , كما هو حال كثير من المعلومات في مقالك العجيب.

رابعا- تقول (وعليه فأن دول مزدهرة كنيوزيلندا وفنلندا والدنمرك، تديرها حكومات كافرة وظالمة وفاسقة، وتعيش فيها شعوب ضالة، على الرغم من انخفاض نسب الجريمة والفساد، وتقدم البيئة الوطنية وازدهارها على مختلف الاصعدة والمستويات.)
عزيزي, ألا تفرق بين الكفر بالله وبين تنظيف الشوارع وتحسين البنى التحتية؟
نعم, حكومات وشعوب هذه الدول كافرة لأنها لم تتبع الدين الحنيف,وظالمة لنفسها إذ لم تتبع الشرع,وفاسقة لعدم التزامها ببعض الواجبات الإلهية, إلا أن هذا لا يعني أنها لا تتميز ولا تتفوق في المجالات المادية , فهي (ظالمة) من جهة أنها لم تؤمن بالله, و(عادلة) من جهة تقدمها ماديا.
ثم لماذا تقتصرون على ذكر بعض الأمثلة للدول المدنية وتجعلون ذلك دليلا على صحة فكرة مدنية الدولة؟ألا توجد دول مدنية وعلمانية في أفريقيا وآسيا وأمريكا مثل الهند وكوريا الشمالية وغينيا بيساو تقبع في أحلك الظروف والفساد؟ أليس نصيب أمريكا العلمانية من الفساد الأخلاقي هو نصيب الأسد؟

وتقول أيضا (بينما دولة كالعراق التي تحكمها اليوم الاحزاب الدينية وتسودها ثقافة دينية واسعة النطاق، تعتبر وفقا لهذا المعيار دولة رسالية) لا أدري هل أضحك أم أبكي؟وهل تسمي الأحزاب الحاكمة في العراق دينية؟هل تسمي الدولة التي تنتشر البارات الرسمية في عاصمتها دولة دينية؟ هل تسمي الدولة التي تسمح بالأغاني المحرمة والرقص دينية؟ تذكرت من يسمي تركيا حامية المسلمين ويتناسى نوادي الشواذ في وسطها!

لماذا لا تأتي بالنموذج الإيراني كأبرز مثال على دولة دينية نجحت ولو بدرجات أبسط من غيرها؟ هل تقارن بين التطور العلمي في (إيران) الإسلامية وبين الأمية في إيران العلمانية (زمان الشاه)؟ هل تعلم أن هذا النووي وهذه الاختراعات والكشوفات في إيران الإسلامية استمرت رغم الحصار الخانق الذي فرضته عليها الدول العلمانية المؤدبة والخلوقة و(الكيوت) , ورغم حرب الثماني سنوات التي بدأها الكائن العلماني الطيب (صدام) ودعمته كثير من الدول العلمانية العادلة؟

أخيرا- تقول أن وصول الشيعة الإسلاميين إلى سدة الحكم هو السبب في ظهور تنظيمات متطرفة سنية.
لا أنكر أن هذا الوصول ولد إفرازات تعصبية لدى من ذكرتهم, لكن جعل هذا دليلا على سوء الحكم الديني الشيعي أمر غريب . ما نسينا كيف كانت أمريكا المدنية العلمانية أمّ التعايش تشجع (المجاهدين) الأفغان على قتال السوفييت وتصفهم بالشجعان وكيف كانت عناوين النيويورك تايمز تمدح ابن لادن , ثم تطور ابن لادن إلى القاعدة ثم صارت النصرة وداعش وغيرها من المنظمات التي قامت على أكتاف ابن لادن ربيب الدولة العلمانية المدنية العظمى (وإن انقلب السحر على الساحر فيما بعد).
ثم لماذا لا تكون تصرفات فرنسا العلمانية الدموية في الجزائر , وأعمال أمريكا في العراق هي التي أولدت ردات فعل عنيفة لدى بعض المساكين مما دفعهم إلى الانخراط في مجاميع إرهابية , ويكون هذا دليلا على فشل الدول المدنية العلمانية؟