آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 7:26 م

ثقافة الخصام

محمد أحمد التاروتي *

تختلف طريقة التعاطي مع الخصم، تبعا لطبيعة الخصام وأطرافه، فهناك خصام دائم ومستمر، كالخصام الحاصل بين الحق والباطل، فهذا النوع قائم الى يوم الدين، ”حرام محمد حرام الى يوم القيامة وحلال محمد حلال الى يوم القيامة“، فيما توجد خصومات مرتبطة بمصالح دنيوية، وليست مرتبطة بثوابت دينية، مما يجعل عملية إيجاد وسائل، لإزالة مسببات النزاع ممكنة، الامر الذي يفسر وجود وسطاء، لترميم العلاقات الاجتماعية، والإنسانية، في مختلف الازمان والعصور.

الخصومة، امر يدخل ضمن السلوكيات الإنسانية، نظرا لاختلاف المصالح الدينية والدنيوية، مما يجعل عملية السير على نسق واحد من الصعوبة بمكان، بيد ان المشكلة تكمن في تحول تلك الخصومات الى صراعات دامية، فالبعض لا يتحمل وجود آراء أخرى، تسير في عكس التيار، مما يدفعه لاتخاذ مواقف حادة، وعنيفة في الوقت نفسه، الامر الذي يمهد الطريق امام خروج الخصومة، عن النسق الطبيعي للتحول الى حرب ضروس، تأكل الأخضر واليابس، بحيث تحدث شقا واسعا في الجدار الاجتماعي الواحد.

إدارة الخصومة فن، لا تتقنه سوى شرائح تمتلك الحكمة، والقدرة على حصر الاختلاف، ضمن النطاق الضيق، بمعنى اخر، عدم توسيع دائرة الخصام، لتشمل مختلف الجوانب الأخرى، حيث تبقى الخصومة ضمن نطاق محدد للغاية، ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى، بحيث لا يؤخذ البريء بجريرة المذنب، فيما يعمد البعض لاستخدام، سياسة الأرض المحروقة، بمجرد بروز الخصومة للعلن، مما يدفعه لاتخاذ موقف متشدد من البيئة المحيطة بالخصم، بحيث لا يفرق بين الخصومة ”الشريفة“، والخصومة المتهورة.

النخب الثقافية، تجد الخصومة وسيلة في إظهار المهارات الكلامية، والكتابية، في تأليب بعض الشرائح الاجتماعية، تجاه الخصوم، حيث تعج المقالات بالصحف او المجلات، بمختلف أنواع التسخيف بآراء الأطراف الأخرى، اذ تحاول النخب الثقافية الانتصار لموقفها، من خلال النيل من الأطراف الأخرى، بمعنى اخر، فان إدارة الخصومة بطريقة حضارية، ليست متاحة لدى بعض النخب، التي تقود البيئة الثقافية، مما يؤدي الى تلويث هذه البيئة بامراض، لا تمت لمبدأ الاختلاف بصلة، فالخصومة لا تعني إطلاق اليد، لاستخدام الوسائل للقضاء على الطرف الاخر.

تمارس الكثير من الدول، الخصومة المتهورة والعنيفة، مع الخصم سواء في الداخل او الخارج، اذ تعمد لاستخدام شتى أنواع التنكيل، تجاه الطرف الاخر، فهذه الدول لا تفرق بين إنسان بريء، واخر مذنب، فالجميع يكون في دائرة الاتهام، مما يستوجب إنزال العقاب الصارم، الامر الذي يخلف الكوارث، وإراقة الدماء بحق شرائح، ليست معنية، لا من قريب ولا بعيد، بالخصوم القائمة.

كاتب صحفي