آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 4:17 م

ثقافة القشور

محمد أحمد التاروتي *

تختلف طريقة التعاطي مع الملفات الاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية، باختلاف التفكير وسبل معالجتها، فهناك فريق يتعاطي مع تلك الملفات بمسؤولية كاملة، مما يدفعه للبحث عن أسبابها والظروف، التي ساهمت في بروزها للسطح، الامر الذي يوفر المناخ لإيجاد الحلول المناسبة للقضاء عليها، سواء من خلال الاستفادة من العقول الوطنية، او الاستعانة بالمشورة الخارجية، فالمسؤولية الملقاة على عاتقه تدفعه، نحو معالجة الملفات، عبر انتهاج الطرق المناسبة.

بينما ينطلق فريق اخر في معالجة الملفات، بطريقة سطحية دون الغوص في عمقها، للوصول الى مكامن الأساليب، حيث يتحرك في دائرة ”المسكنات“ المؤقتة، الامر الذي يسهم في تحول تلك الملفات، لأمراض مزمنة لا تجدي معها مختلف الأمصال، في المراحل المتقدمة، مما يستوجب الاستئصال في نهاية المطاف، خصوصا وان أضرار وجودها اكثر من ازالتها.

النظرة السطحية للملفات، مرتبطة بالمستوى الثقافي الضحل، وكذلك نتيجة العوامل الاجتماعية السائدة، فالمجتمعات المتخلفة تعشعش فيها الأزمات، جراء عدم القدرة على سبر أغوارها، والفشل في تشكيل الفريق المتجانس، الامر الذي يحول دون الوصول، الى الحلول خلال السقف الزمني المحدد، بخلاف المجتمعات المتقدمة التي تمتاز بالقدرة العالية، على وضع الخطط اللازمة لتطويق الأزمات، في مهدها او التحرك الجاد، لمنع انتشارها بصورة، يصعب القضاء عليها، معنى اخر، فان النظرة السطحية مرتبة بالتركيبة النبوية للفرد أولا، والثقافية المجتمعية السائدة ثانيا، فإذا توافر شرط واحد دون الاخر، فان المعالجة تكون ناقصة في الغالب.

إيجاد الفريق المناسب، القادر على تشخيص المرض، وإيجاد الدواء المناسب، يمثل خطوة أساسية في القضاء، على الكثير من الملفات الضخمة، فهناك الكثير من الملفات بقيت تراوح مكانها، نتيجة عدم وجود الأطراف القادرة على التشخيص، او فشلها في إيجاد الأمصال المناسبة، الامر الذي أحدث نكبات كبرى على الصعيد الاجتماعي، بمعنى اخر، فان نجاح فريق في فك طلاسم احد الملفات الشائكة، لا يعني القدرة على الخوض في ملفات أخرى، خصوصا وان الملفات تختلف عن بعضها البعض، مما يستدعي اختيار الكفاءات المناسبة، والتي تتوافر فيها كافة المقومات، والاشتراطات المطلوبة.

ثقافة القشور مرض اجتماعي، يغزو العقول جراء غياب التفكير المنهجي، والعلمي، خصوصا وان المعالجات الارتجالية والمتسرعة، لا تولد حلولا جذرية، بقدر ما تخلق حلولا، مؤقتة لا تسمن ولا تغني من جوع، باستثناء تغطية الأزمات لفترة زمنية، ولكنها سرعان ما تظهر مجددا، بمعنى اخر، فان القضاء على النظرة السطحية، يتطلب إعادة صياغة التفكير المنهجي، بما ينسجم مع المخاطر المحيطة، بالأزمات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، فالمجتمعات التي تدرك خطورة بقاء الأزمات تحت الرماد، تتحرك جاهدة لخلق الظروف المناسبة، لإيجاد الحلول الناجعة، دون الاعتماد على الحلول المؤقتة.

كاتب صحفي