آخر تحديث: 5 / 5 / 2024م - 1:31 م

كربلاء.. القضية

محمد أحمد التاروتي *

شكل الإصلاح احد المحاور المركزية في معركة كربلاء، نظرا لما يمثله من أهمية بالغة، فالمسؤولية الملقاة على القادة، والمصلحين تفرض تقدم الركب، وتقديم الغالي والنفيس، من اجل إنقاذ الأمة من الطوفان التخريبي المرسوم، لاسيما وان المخططات المحاكة في الخفاء، لا تدركها الغالبية، باستثناء الصفوة الواعية، او المالكة للرؤية الصائبة، مما يحتم التحرك في الزمان والمكان المناسب، بهدف احباط تلك المخططات، او التقليل من تداعياتها على مسيرة الأمة، وتجنيبها الاثار والويلات المترتبة، على ما يخطط في الخفاء.

كربلاء تحمل في طياتها قضية كبرى، ومسؤولية ضخمة، تكاد تهد الجبال من ثقلها، الامر الذي يفسر تساقط الرجال في الامتحان الصعب، فالأعداد التي رافقت الامام الحسين ، في مسيرته العلنية باتجاه العراق كانت كبيرة، اذ بدأت الأرقام في التناقص التدريجي، والسريع في بعض الأحيان، خصوصا وان سيد الشهداء كعادته، التزم أقصى درجات الصدق، والإفصاح طيلة محطات التوقف، فهو واصل القاء الخطب في المدن، والقرى يتوقف فيها، بحيث أعطى الجميع حرية الاختيار، بين الانصراف او البقاء، بمعنى اخر، فان الامام الحسين كشف للجميع حجم المسؤولية المترتبة على مسيرته، والمصير الذي سيواجه الجميع، فالرحلة ليست للاستجمام، او الحصول على المغانم، باستثناء القتال والخلود في ضمير الأمة.

الإصلاح كمحور أساسي في النهضة الحسينية، يتطلب العديد من المقدمات، والتهيئة النفسية لعموم الأمة الإسلامية، الامر الذي يفسر إصرار سيد الشهداء على توضيح الأهداف النبيلة، لموقفه الصلب برفض بمد يد المبايعة والدخول في جملة المبايعين ليزيد بن معاوية بالخلافة، منها قوله ”شارب الخمر وقاتل النفس المحترمة“، فوجود مثل هده السلوكيات كافية للتوقف، في امر خلافة يزيد بن معاوية، بمعنى اخر، فان سكوت شخصية لها ثقلها في الأمة الإسلامية، مثل الامام الحسين على اعتلاء مسند للخلافة، سيكون مبررا لتمكين شخصيات أخرى، لا تمتلك مقومات الصلاح والقيادة، للتسلط على رقاب المسلمين، مما يفقد منصب الخلافة مكانتها المعادية والمعنوية، في نفوس الأمة الإسلامية.

وضع ابو الأحرار خطوط حمراء، في المراكز القيادية، والمناصب العامة في الأمة الإسلامية، بحيث شكلت خارطة طريق امام المجتمع الإسلامي، من اجل المحافظة على المسار الصحيح، بمعنى اخر، فان الاستهتار وعدم الالتزام بالضوابط الشرعية، والانحراف الأخلاقي لدى القيادات، وأصحاب المناصب العامة، مثالب كبرى لا يجدر السكوت عليها، نظرا لما تمثله من خطورة كبرى، سواء على الجيل المعاصر او الأجيال القادمة، وبالتالي، فان كربلاء بما تمثله من خط إصلاحي واضح، حفرت خندقا عميقا في ضمير الأمة الإسلامية، يصعب تجاوزه بسهوله، مما جعل معركة الطفوف مصدر إشعاع دائم، على مدى القرن الأربع عشر الماضية، فهي قادرة التجدد الدائم، باعتبارها شمس تضيء تشرق كل صباح، في سماء طلاب الإصلاح، في المجتمعات البشرية.

كاتب صحفي