آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 7:26 م

منتدى الثلاثاء يناقش العلاقة بين الشعر والسرد

جهات الإخبارية

استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي الدكتور حسن النعمي أستاذ السرديات بجامعة الملك عبد العزيز بجدةوسط حضور من الأدباء والكتاب وشعراء المنطقة في ندوته الثانية من الموسم الثقافي الثامن عشر تحت عنوان ”العلاقة بين الشعر والسرد... قراءة ثقافية“.

وبدأت الندوة التي أدارها الشاعر فريد النمر متحدثاً في افتتاحيته عن استمرار النظرية السردية بتفاعلاتها الثقافية منذ زمن الكاتب الشهير ”شكلوفسكي“ إلى ما بعد الثورة الأدبية الفرنسية للكشف عن تطورات تلك المسرودات، باعتبارها اسلوباً لتوصيل الأفكار وتعريتها، ولدورها المحرك في توجيه الأمم للتقارب من خلال العمل الأدبي.

وألقى الدكتور حسن النعمي ورقته بالقول «لو أردنا أن نلخص العلاقة بين الشعر والسرد في تراثنا العربي لقلنا إنها علاقةٌ مرتبكةٌ لأبعاد ثلاثة متداخلة دينيةٍ، وسياسيةٍ، وثقافيةٍ في سياق الثقافة العربية، ورغم اختلاف حقول الاشتغال في هذه الأبعاد إلا أنها مارست دوراً مؤثراً في تحديد علاقة التجاور والتباعد بين الشعر والسرد».

وأضاف أنه في ظل هذه الأبعاد حظي الشعر بأفضلية النوع على السرد، وأعيد تأسيس المنظور الثقافي والنقدي وفقاً لهذه المعادلة، ولعلَّ مقولة «الشعر ديوان العرب» إحدى المقولات التي كرست أفضلية الشعر على السرد. وأشار إلى أن الإشكالية ليست بين النوعين، فتجاورهما حتميةٌ تاريخيةٌ لا تقبل الجدل، غير أن المشكلة هي مشكلة وعيٍ ثقافيٍ من ناحيةٍ، وتغليب نوعٍ على آخر من ناحيةٍ أخرى، ومن ثمَّ فإن تداخلهما الفني قائمٌ، وأما تجاورهما الثقافي فيبقى محلَّ تساؤلٍ.

وأوضح النعمي أن المعطيات الثقافية تشير إلى أنَّ نزعة الانتصار للشعر كانت جنايةً على السرد؛ لتحلَّ به لعنة الإقصاء، التي وصلت ذروتها عند المسعودي حين أعلن أن نصوص «ألف ليلة وليلة» الأولى غثةٌ باردةٌ.

ومهد الدكتور لطرح رؤيته حول السردية بعدة تساؤلات فماذا يعني أن يكون ربعُ القرآن قصةً؟ وماذا يعني أن يقصيَ القرآنُ الشعرَ ويباعد بينهُ وبين الرَّسول؟ وماذا يعني أن يستثمر الرسول القصة القرآنية ويقدم القصة في حديثه بوصفها أحد أهم وسائل الخطاب النبوي؟

وأجاب بأن تبني القرآنِ القصةَ وإقصاءَ الشعر ينمُّ عن حالة الصراع التي خاضها القرآن مع قيمٍ ثقافيةٍ سائدةٍ، يمثل الشعر أبلغ رموزها، وأدواتها في الحرب على الدين الجديد، منبهاً إلى أهميَّة القراءة السِّياقية؛ التي تربط بين النَّص وأضاف أن النظر إلى القصة القرآنية بمعزلٍ عن محيطها الخارجيِّ يلغي كثيراً من حيويَّة التفاعلات الاجتماعيَّة التي تشكلت حول القرآن والتي أخذت حيزاً مؤثراً في سياق الخطاب الدينيِّ؛ من أجل تكوين مجتمعٍ ذي قيمٍ ثقافيةٍ جديدةٍ.

وأكد أن استخدام القرآن للقصة هو أحد أهم القضايا الفكرية والأسلوبية التي تحتاج إلى قراءةٍ فاحصةٍ، موضحاً بأن تعلق العرب بالشعر وطغيانه على فنٍ السرد بكل أشكاله، لا يعني ندرة السرد في الثقافة العربية، ذلك أن تبني القرآن للقصة يؤكد حضورها في حياة العرب بصرف النظر عن تعاطيها، أو تقديم الشعر في الأهمية.

وتناول الدكتور النعمي مسألة انصراف العرب عن السرد رغم انتصار القرآن للقصة مشيراً بالقول إلى أن أمر الانصراف النقدي والفكري عن الاهتمام بالسرد في تراثنا، والانحياز إلى الشعر دراسةً وفناً من أعقد المشكلات التي يمكن الخوض فيها لتداخل الأسباب وتعددها. ففي المسار الديني، ظهرت خطورة القص في لحظة بدء جمع الحديث الشريف؛ الذي تزامن مع تكاثر القصاص في العصر الأموي، وأوائل العصر العباسي، فقد كثر الوعَّاظ والمذكِّرون الذين كانوا يستخدمون القصص في الترغيب والترهيب بأحاديث موضوعةٍ في الغالب، مما حمل الخلفاء والفقهاء على التصدي لهذه الظاهرة.

وفي مقابل التضييق على القصاص، كان الشعراء يستقبلون في المحافل وتفتح لهم أبواب البلاط، ويُحتفى بهم. وبين المحاضر أنه لا يمكن الاحتجاج بالاهتمام بالمقامة، لأن أمر المقامة لم يؤخذ من زاويةٍ سرديةٍ، بل من زاويةٍ لغويةٍ بلاغيةٍ، فهي في ذلك أقربُ إلى الدرس النقدي الذي حظى به الشعر.

وواصل النعمي موضحا أن خطابنا الثقافي كان منقسماً إلى خطابين متضادين: خطابٌ نخبويٌّ، وآخر شعبويّ، احتضن الخطاب النخبويُّ الشعر، ووظَّفه لخدمة سياقاته السياسية والاجتماعية، فكان حاضراً ومواكباً لاحتفالات البلاط السياسي، والمحافل الاجتماعية الكبرى، أما الخطاب الشعبوي فقد استغل الإمكانات السردية لمواجهة السلطة، وما «كليلة ودمنة، ونصوص المقامات، وألف ليلة وليلة وغيرها إلا أمثلة على مقاومة النخبوي سياسياً واجتماعياً. فهل يمكن أن نتكيف مع هذه الفرضية؟

وأشار النعمي إلى أنه بمراجعة العديد من الأدبيات والمقولات والملاحظات في سياق نشوء وتطور الأدب العربي شعراً وسرداً، يجب أن نحرِّر أمراً في غاية الأهمية، يضاف إلى إشكالية ازدواجية الخطاب الثقافي، وهذا الأمر يتعلق بالناحية المصطلحية، فإذا كان الشعر قد تحدد بمصطلحه قديماً وحديثاً، فإن من معضلات السرد في تراثنا العربي غياب المصطلح الذي يجمع شتات الفنون السردية تحت اسم جامع يحدد هويتها، مما أضعف من شخصيتها أمام الشعر المستقل باسمه، الجامع لشخصيته.

وتساءل حول مسؤولية الدور النقدي الذي كرَّس اهتمامه بظاهرة الشعر شرحاً وتمحيصاً وتبويباً وتصنيفاً؟ وفي المقابل، ظلَّ الجهد السردي ينمو بعيداً عن دوائر التأثير الثقافي، فلم يدرس ولم يصنف ولم يبوب؟

وأجاب المحاضر على ذلك بقوله أنه عندما استفاق العرب في عصر النهضة في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، فتشوا عن تراثهم القصصي، فوجدوه مهملاً، لم تبنَ مساراته بالتوازي مع الشعر، لقد وقع الارتباك عند رواد النهضة المشتغلين بالكتابة القصصية من أمثال ناصيف اليازجي وأحمد فارس الشدياق، فقلةٌ من الكتاب رأت ضرورة الاشتغال على المنجز السردي القديم، لكن أين هو؟ لم يجدوا سوى المقامة التي لها شخصيةٌ مميزةٌ، بوصفها نصاً يمكن أن يحتذى.

وفي نهاية ورقته طرح الدكتور النعمي ملاحظة تلخص من وجهة نظره أزمة العلاقة بين الشعر والسرد.

وبدأت جولة المداخلات مع عبد الباقي البصارى مشيراً إلى أن كتب السرد العربية القديمة هي تراث مستفاد من الأمم الأخرى وكان تأثيره على الذائقة الأدبية العربية يكشف أهمية التعارف بين الثقافات والمجتمعات.

وانتقد عباس الأمرد تحيز المحاضر للسرد في حين أن الشعر يظل دائماً متفوقا على السرد.

وناقش زكي أبو السعود مقولة أن القرآن تبنى السرد في مقابل الشعر واتفق مع المحاضر أن القرآن وظف القصة لأهداف تربوية وإصلاحية، وخالفت الأستاذة رجاء البو علي المحاضر في ثنائية الشعر والانتصار أو الرواية والهزيمة ويدحض هذا الربط شعراء فلسطين بشعرهم الثوري في ظل واقعهم المهزوم.

وثنى الأستاذ جبير المليحان على نقد الثنائية مستشهداً بالشعر المقاوم بعد هزيمة 67 موعزاً نمو الرواية لأسباب مختلفة غير الهزيمة.

وتحدث منصور آل سلاط عن دور الفنون حيث اتفق مع المحاضر أنها لا تعالج الواقع وإنما تتقاطع معه والرواية كأحد الفنون هي تعبر عن رأي صاحبها فقط. وتساءل الأستاذ أحمد الخميس عن موقعية الخطاب السردي في كونه وسيلة فقط لتمرير الأفكار، ويبقى في حدود جمالية النص، وتحدث الأستاذ على الحرز عن افتقار الأجناس العربية لفنون المسرح والملاحم.

وناقش أحمد آل حسن مقولة أن شخصية النثر شاملة ومنفتحة وليست مشتتة كما ذهب المحاضر، وأن السرد الذي يتقاطع مع الواقع هو مؤشر على الوعي به.

وتساءل عبد الوهاب الفارس عن الأثر الديني لذم الشعر في القرآن الكريم.

وفي ختام المداخلات ناقش جعفر النصر بالقول إذا كانت الرواية لا تعالج الواقع فكيف يتم تصنيف قيمة روايات قامات الرواية العرب وغير العرب، حيث أجاب المحاضر بأن الراوي يعبر عن وجهة نظره تجاه الواقع ولا يمكن أن نختزل رأي مجموع الأمة في رأي كاتب أو شاعر.

وتضمنت الندوة إقامة معرض للوحات فنية مستوحاة من البيئة البحرية للفنان التشكيلي حسين المصوف عضو جماعة الفنون بالقطيف والحاصل على عدة جوائز، والذي شارك بعدة معارض فنية محلية وعربية ودولية.

وكرم المنتدى طالبة الدكتوراه بجامعة ”كاوست“ الباحثة زهراء الصفار الحائزة مؤخراً على المركز الأول كأفضل بحث في علوم البحار في المؤتمر الدولي بسلوفينيا، والتي تحدثت عن تجربتها التي شقت طريقها من خلال تخصص الأحياء حيث اكتشفت بالجد والعزيمة فرص التقدم والانجاز في عالم حياة وكائنات البحر الأحمر، وقدمت عرضا عن أبحاثها علمية في هذا المجال.