آخر تحديث: 6 / 5 / 2024م - 5:57 م

مختصون: الشائعات أداة حربية وإعلامية تقيس وعي المجتمع

جهات الإخبارية سوزان الرمضان - الدمام

اتفق مجموعة من المختصين على دور ”الإشاعة“ السلبي على المجتمع، وان مكافحتها مسؤولية عامة خاصة في ظل سهولة تناقلها في وسائل التواصل الإجتماعي، فيما يرى البعض أنها أداة لقياس وعي المجتمع وعافيته في قبولها من عدمه، بينما يصفها آخرون بحرية التعبير الممنوحة للأفراد.

ويرى الرئيس التنفيذي لمركز التنمية والتطوير للإستشارات الإقتصادية والإدراية علي البوخمسين، ان الشائعة قديمة قدم التاريخ، وقد حذّرنا القرءان منها وأطلعنا على طريقة التعامل معها ومع من يطلقها، مشيرا الى انها إحدى الوسائل التي تستخدم في الحروب النفسية، ومن أوائل من استخدمها في هذا الغرض ”هتلر“؛ في حربه ضد الفرنسيين والبريطانيين وإحرازه النصر بايقاع الهزيمة النفسية في صفوف الخصم.

وذكر عدة أهداف للإشاعات فمنها مايختص بالجانب الصحي او الإقتصادي او الإجتماعي او العقيدة ومبادئ الدين، لافتا إلى بعض الإشاعات والتي قد تدمر إقتصاد أمم، وذلك كما حدث في الحرب العالمية الثانية حين أشاع أحد كبار ملّاك البورصة انهزام دولة بريطانيا، وانسحابها من دول التحالف، ليسقط سوق الأسهم ويتفاجأ الناس في اليوم التالي بإعلان انتصار دول التحالف، وكان هو أول من قطف ثمار هذه الشائعة بشراء أغلب تلك الأسهم، وارتفاع سعرها مباشرة بعد الإعلان بشكل خيالي.

وأشار إلى إدارة ذلك الموضوع في دولة كأمريكا من خلال بناء عيادات تحلّل جسم الاشاعة، ويقوم عليها مختصين نفسيين واجتماعيين للتعرف على مصدرها، وبنائها، والهدف منها للحصول على الآلية الأمثل في الرد عليها.

ونوّه إلى أهمية الإعلام القوي والقادر على مد المجتمع بالمعلومة الصحيحة، محذرا من الفجوات الإعلامية التي تتسرب منها الإشاعة، ونقص المعلومات الذي يزود المجتمع بالمعلومة المغلوطة والمشبوهة ويستفز مشاعر المواطن، فيسعى لخلق واقع استباقي مقاوم لتطبيق تلك القرارات كما حدث مع الرؤية 2030.

ولفت إلى إطلاق الشائعات بهدف إسقاط أو خلق مشكلة كبيرة كما في حالات التستر التجاري، والذي قد يدفع المواطن لمقاومة تطبيق قرارات ضد صالحه، مشيرا الى مسؤولية الإعلام الفعلية والذي يفترض تمتعه بحس وطني، وقدرة علمية على تشخيص الشائعة والتصدي لها، وتوجيه الرأي العام بما يخدم صالح الوطن والمجتمع.

وتحدث عن دور المثقف في إطلاق خبراته في هذا المجال كل بحسب تخصصه سواء كان خبير طبي أو اجتماعي أو ديني أو علمي أو تقني، لحفظ المجتمع وسد تلك الثغرة التي تحارب مصلحته، في ظل انتشار وسائل التواصل وقدرة الجميع على كتابة مايريد، وقراءة ماتتم كتابته، مما يؤثر في النواحي الاجتماعية، والاقتصادية، والتنمية العامة، والمشاريع، والاشخاص، والجمعيات المدنية، وغيرها.

ودعا الى انشاء جهاز مختص تحت إشراف حكومي يعني بمكافحة الشائعات بشكل رسمي ويكون محل تصديق، وإلى أهمية وجود الوعي الإجتماعي ونخبة اجتماعية تقوم بدورها في مكافحة الشائعات، وان تقوم الجهات الإعلامية والأجهزة الحكومية بسرعة الرد والتعاطي معها حتى لا يتسبب الجهل بالمعلومة في رواجها.

وتؤيد السابقة في الأدب الإنجليزي الدكتورة إيمان الخطيب إنشاء موقع جذاب وصادق ودقيق للمساهمة بالتوعية والتثقيف وذكر الحقائق دون تكرار للإشاعة، بالإضافة إلى توضيح الجهود المبذولة بنشرالأفلام الوثائقية التثقيفية، وأن يكون التركيز على البناء لا الدفاع ومحاربة الرأي المخالف، وعدم نشر مالسنا متأكدين منه.

وقالت: ”ميل البعض لنشر الإشاعة إما عن جهل، او من باب «كما يعتقدوا» انهم يحذرون منها بينما يساعدون في نشرها“.

وذكرت عدة أهداف للإشاعة فمنها مايكون عن جهل للمتعة والضحك، أوالتشفي والشعوربالأفضلية، أو بغرض نشر فكرة سلبية او إيجابية لبرمجة معينة، مشيرة إلى رواجها في فترة الحروب كحرب نفسية، او لإثارة الغضب ضد القرارات وكسب الأصوات، أو لتوجيه الرأي العام باتجاه معين مخالف.

وحذّرت من الإشاعات التي تشكِّك في الدين أوالدولة أو أشخاص من الأعلام، فلا يبقى من تُسمع كلمته، ويساهم في تغييب المنطق السليم، والفوضى، ويتم تبنّي الآراء من الشرق والغرب، وتكون الغلبة للصوت السائد، ونقع في إشكالية فرّق تسد.

وأشارت الى أهمية بناء الثقة في الشعب وعلمائه وشبابه، ليشعروا أن مصيرهم واحد، وان الدولة تدعم أحلامهم، لترتبط أحلامهم بمصلحة الوطن والدين، لافتة إلى ضرورة الإستفادة من صوت الإعلام الرقمي، والأفلام، ووسائل التواصل الإجتماعي.

وترى استشارية الأمراض الجلدية الدكتورة نجاة النزر ان المستفيدين من وراء الإشاعة كثر، ومصدرها أناس حاقدين على المجتمع والنجاح، وبعضهم وجد مبتغاه في ظل انتشار وسائل التواصل الإجتماعي، كتجّارالأدوية، والمهملين إجتماعيا، والساعين للبلبلة واثارة الهلع وضرب الإقتصاد، كالإشاعة التي هوّلت من انتشار مرض الجرب في مكة المكرمة، ليحجم الكثير عن السفر إليها خوفا من انتقال المرض.

وأشارت إلى أن ضحاياها ممن لا يملكون الوعي او الفطانة بالإشاعات، وذوي النفوس الضعيفة، والسذج، والذين لا يتسمون بالنضج العقلي.

وشددت على اهمية التعامل بحزم مع المروجين والإبلاغ عنهم، وعدم المساهمة في نقل الخبر قبل التأكد من صحته، لمجرد إحراز أفضلية السبق في نشره، وعلى تقوية الوازع الديني.

ولفتت إلى مسئولية المثقف في التوعية بأن ليس كل ماينشر حقيقة، وضرورة التحقق من الخبر من المصادر الرسمية.

وحذّرت استشارية الطب العائلي فريال الرشيد من الإشاعات التي تروج لصالح أدوية معينة، مستغلّة بساطة الناس الذين تغرّهم جاذبية المنتج وأسلوب الإشاعة المنمق والمزخرف، مشيرة الى معاناة غالبية المجتمعات من الإشاعة، وانها وسيلة في إضعاف الطرف الذي يبتلع الطُعم، وتؤدي إلى إفقاد الثقة ونشر الوهم والإفلاس الإقتصادي والثقافي.

ولفتت إلى إمكانية إيقاف مدّ الإشاعة من خلال التحقق والبحث والإطلاع، وقراءة الأحداث التاريخية المشابهة، داعية إلى عدم المساهمة في نشر الإشاعات، وتداولها بالرسائل أو الأحاديث والنقاشات الجماعية.

ويرى الباحث توفيق السيف ان هناك مبالغة في تصور معنى الإشاعة وطبيعتها وما يترتب عليها من أضرار، مقسّما الكلام إلى نوعين فمنه ما يجري بشكل طبيعي ويتداوله الناس في المجالس او الهاتف، بقصد الثرثرة وبعضه يكون مبرر، ومنه ماهو موجّه ومبالغ لأخبار صحيحة أو باطلة أومبالغة أو معدّلة، بقصد لفت النظر إلى شيء او الإبعاد عنه، أو تحسين أو تشويه سمعة أحد، أو الدعاية إلى موقف إجتماعي أو سياسي أو غيره.

وأشار الى ان هذا النوع قد يكون مضلّل إذا جرى تصديقه وإقامة مواقف إجتماعية أو سياسية أو حتى شخصية بناءا عليه، لافتا إلى ان كل موقف يبنى على معلومات خاطئة أو غير محايدة أو باطلة، ينطوي على جانب من الخطأ أو الخطورة.

وشدّد على أهمية التفريق بين النوعين السابقين من الكلام العادي، والموجه والذي تدخل ضمنه الاخبار المسموعة والمقروءة، مشيرا إلى انها قد تكون صحيحة إلا ان نقلها في سياق محدد، قد يخدم أغراض محددة تهدف إلى إثارة الخوف عند البعض، والفرح والغبطة عند آخرين، أو لفت النظر إلى قضايا لا يُراد ان يعرفوا عنها، او التركيز على قضايا لا أهمية لها، وتكتسب أهميتها بسبب التكرار.

واشار إلى ان الشائعات تعتبر أحد مظاهر الإعلام، وعادة مايستخدمها السياسيون في صراعاتهم، وزعماء المجتمع والقوى المتصارعة بل حتى الجماعات الصغيرة في أي مجتمع، لافتا إلى انها قد لاتملك وسائل إعلامية لكنها تملك ألسنتها، والقدرة على جعل كلمات معينة أو قصص معينة متداولة على الألسنة، ولانستطيع تحديد مدى خطرها خاصة اذا كان المجتمع ملتفت، وكانت هناك قوى أخرى قادرة على الرد والمجابهة المضادة.

وقال: ”ليس للمثقف دور يفوق دور الطبيب او المهندس او التاجر او إمام الجماعة او البقّال او سائق السيارة تجاه الإشاعة“، مشيرا الى ان الثقافة ليست حرفة بل سمة او صفة او كفاءة كما في الطب والهندسة والتجارة وغير ذلك من المؤهلات.

ونوّه الى ان إيقاف مدّ الاشاعة غير ممكن كما في المدّ الإعلامي، إلا إذا وضعنا الجميع في السجن، وان الحل يكمن في إتاحة حرية التعبير للجميع ولو كانت ضد آراءنا ومناقضة لقناعاتنا، فهو الكفيل بإضعاف أثرها، فكل رأي وقول وإشاعة يقابله رد وجواب ومناقشة من الطرف الآخر ويمكن للجميع أن يصل إليه ويطّلع عليه، كما في الدول المتقدمة والتي تتمتع بالحرية الإعلامية، بدون أن يتاثر نظامها الإجتماعي اوالأخلاقي، مشيرا إلى ان المجتمع الضعيف هو من يخشى الكلام، وتعدد الأفكار، والأسئلة، والنقاشات.

وترى الأخصائية الإجتماعية والمستشارة الأسرية عقيلة آل حريز ان انتشار الشائعات يعكس مدى ثقافة المجتمع ومستوى وعيه وتحضره، كما يقيس نسبة الفراغ والجدوى مما يصنعه، مشيرة الى ان الوعي عامل مهم في عدم انطلاء الشائعة على عامة الناس، وان إنعدام الأخبار الصحيحة والشفافية يصنع بيئة خصبة لانتشارها، وقد يصعب إبطالها إذا تفشّت وكان المجتمع مقتنع بها.

وحذرت من أثر الشائعة في إضعاف المجتمع، أو القضاء عليه إذا لم تتم مواجهتها بالصورة الصحيحة، مشيرة الى ان قوتها تكمن في سيطرتها على العقل المجتمعي، وقدرتها على تغيير سلوكياته؛ لافتة إلى ان إيقافها يحتاج إلى وقت وجهد حقيقي، وعقليات تستوعب ضررها.

وأوضحت ان الشائعة الإجتماعية أصعب من غيرها، فعادة ما يتولى رجال الدولة إيقاف الشائعة السياسية، وقد تجد الشائعة الصّحية او الإقتصادية من يتصدى لها، إلا ان الشائعة الاجتماعية قد تدمّر آلاف المنازل والأسر وتنهي مصائر من يقع فريسة لها، إذا لم تجد تثقيف وتربية نفسية وانعكاس حقيقي لها على المجتمع، بالتسلّح بالوعي والثقافة، وحث العقل على التفكير والنقد، وقيام المؤسسات التربوية والإعلامية بواجبها في ذلك.

وأكدت ان إيقاف الشائعات يعتمد على رفع مستوى الوعي في المجتمع، وتقديم المعلومة الصحيحة بشفافية، والمنطقية في التعاطي مع الأخبار، ومحاربة المواقع الكاذبة والإعلان عنها، واستغلال وسائل الإعلام في ذلك.

ويؤكد دكتور علم إجتماع الجريمة حميد الشايجي ان أعداء المجتمع هم أكبر المستفيدين من نشر الإشاعة، بالإضافة الى الخلل في بعض الشخصيات المضطربة والتي لا تشعر بالراحة إلا بإلحاق الأذى بالآخرين، مشيرا الى ان الأفراد البسطاء والمجتمع بأسره هم أكبر ضحاياها.

ولفت الى آثار الإشاعة في زعزعة كيان المجتمع وبث روح الخوف والفرقة بين أعضائه، مشيرا إلى انها من الأسلحة الفتاكة التي يستخدمها العدو في زعزعة اللحمة الداخلية وفتّ عضد الأمة في الإشاعة السياسية، بالإضافة الى اضرارها الصحية في المنافسات التجارية وطرق الإستشفاء الخاطئة، ودورها في تقويض وإضعاف العلاقات في الأسرة والجماعات والمجتمعات في الناحية الاجتماعية.

وأشار الى بعض الآليات التي تساعد في وقف مدّ الإشاعة والمتمثلة في الشفافية في نشر المعلومة من قبل الجهات الرسمية، وسرعة الاستجابة لها وتفنيدها بما لا يسمح بتناقلها، والتوعية بضرورة التثبت من المعلومة وعدم المساهمة في نقلها، وقيام المثقف بدوره وبث المقاطع التوعوية التي تحذّر من الإشاعة، والحدّ من ثقافة أنشر تؤجر والتي يستغلها ضعاف النفوس، وسن القوانين الرادعة لمن يقوم بنشرها.