آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 1:52 ص

الظلم.. المجتمع

محمد أحمد التاروتي *

اختلال ميزان العدالة الاجتماعية مرض خطير على مختلف الشرائح، باعتباره مقدمة لاشاعة الخراب والتفتت الداخلي، خصوصا وان تفشي الظلم يقضي على الكثير من القيم الأخلاقية، بحيث تنقلب المفاهيم الفاضلة رأسا على عقب، مما يسهم وضع الجميع على حافة الانهيار، خصوصا وان الظلم من الممارسات البشرية غير المقبولة على الاطلاق، ”ان الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس انفسهم يظلمون“ و”و ان ليس للإنسان الا ما سعى“.

السكوت على الظلم يؤسس لثقافة خطيرة في البيئة الاجتماعية، فالتغاضي لا يدخل ضمن ثقافة ”الباب اللي يأتي منه الريح سده واستريح“، وانما يقود الى كارثة أخلاقية كبرى، يصعب اقتلاعها بسهولة، لاسيما في حال تكرست كواقع حياتي وممارسة يومية، ”الساكت عن الحق شيطان اخرس“ وبالتالي فان مقاومة الظلم يدخل ضمن حماية المجتمع، من الافات الخطيرة التي يجلبها الظلم على افراده، الامر الذي يفسر الانكار الشديد لمختلف أنواع الظلم، سواء الصادر تجاه الضعيف او القوي ”و ان الله ليس بظلام للعبيد“.

الرغبة في الاستحواذ على حقوق الاخرين، ومحاولة السيطرة على الأخضر واليابس، تشكل عناصر محفزة لانتهاج سبيل الظلم تجاه القريب والبعيد، فالظلم لا يقتصر على استلاب الحقوق المادية، وانما يشمل مختلف التصرفات البعيدة عن العدالة، وبالتالي فان محاولة قصر الظلم ضمن نطاق محدد يجانب الصواب، ويدخل ضمن الالتفاف على ”العدالة“ بمسميات متعددة، لاسيما وان الظلم يترك اثارا عميقة في النفوس، مما يجعل عملية التئامها صعبة للغاية، فالظالم يحاول بمختلف الأساليب اظهار البراءة، لتفادي العقاب والمحاسبة.

امتلاك القوة احد الأسباب وراء انتهاج طريق الظلم تجاه الأطراف الأخرى، فالقوي يتحرك وفق سلطاته المتاحة لاستلاب الحقوق الصغيرة منها والكبيرة، من خلال تسخير جميع الطاقات، وتعطيل الأنظمة والتشريعات، سواء بطريقة مباشرة او غير مباشرة، فالهدف يتمحور في السيطرة على الاخرين سواء بأسلوب شرعي او مخالف، نظرا لامتلاك القوة في تحقيق تلك الأغراض غير الأخلاقية.

خطورة الظلم لا تقتصر على الأطراف المتضررة، او الفئات المستهدفة، وانما تكمن في تكريس ثقافة معوجة وغير صحية، مما يضع النظم الأخلاقية على حافة الهاوية، جراء سيطرة الثقافة الظالمة على مبدأ ”احقاق الحق“، ونشر العدالة الاجتماعية، خصوصا وان نشر الثقافة الظالمة يمهد الطريق لتخريب المجتمع من الداخل، جراء نشوء أجيال تتغذى على الظلم، وتتنفس على الاستلاب، الامر الذي يجعل الأمور اكثر تعقيدا، وبالتالي فان الظلم لا يشكل خطورة آنية، وانما بمثابة السرطان الذي ينخر الجسد الاجتماعي بشكل كامل، بحيث يقود الى تآكل القيم الأخلاقية، بشكل كامل لدى العديد من الأجيال.

الرغبة الكبيرة لممارسة الظلم، مرتبطة أحيانا بالنوازع الذاتية والشيطانية، وأحيانا أخرى بالبيئة المحيطة، وتارة ثالثة مرتبطة بنوعية الثقافة الاجتماعية، وبالتالي فان معالجة تلك العوامل بطريقة مثالية، يسهم في تقليل تلك الممارسات على الواقع الخارجي، فكما ان النظام يلعب دورا كبيرا في ضبط إيقاع الممارسات البشرية تجاه الاخرين، فان السيطرة على النوازع الشيطانية، يسهم في وضع السكة على المسار الصحيح، بالإضافة لذلك فان أصدقاء السوء يمارسون ضغوطا نفسية ومادية، في تحديد العديد من المسارات الخاطئة، فضلا عن كون الثقافة الاجتماعية السائدة، تؤثر بشكل مباشرة على الممارسات اليومية، وبالتالي فان محاولة البحث عن مخارج عملية، تجاه هذه العوامل الضاغطة، يساعد في احداث تحولات حقيقية، تجاه سيطرة الظلم في الوسط الاجتماعي.

النظرة الاجتماعية المهادنة والمسالمة تجاه الممارسات الظالمة، تشكل احد العناصر المحفزة، لانتشار مثل هذه الممارسات غير الأخلاقية، لاسيما وان الظالم لا يتجرأ على الاقدام على سلب الاخرين، مع وجود ضغوط اجتماعية رافضة، لانتهاج هذه الطرق على الاطلاق، وبالتالي فان نشر ثقافة الرفض عملية ضرورية لتكريس العدالة الاجتماعية في الواقع الخارجي، ”من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فان لم يستطع فبلسانه، فان لم يستطع فبقلبه، وذلك اضعف الايمان“.

كاتب صحفي