آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 7:14 م

كورونا.. الدولة

محمد أحمد التاروتي *

تبرز قدرة الدولة في التعاطي مع جائحة كورونا، عبر اطلاق المبادرات المساعدة على التخفيف من الاثار الاجتماعية، وكذلك القرارات المتخذة لتطويق انتشار الفيروس، فهناك بعض الدول تقف حائرة امام الانتشار للمرض بشكل افقي وعمودي، الامر الذي تمثل انهيار المنظومة الصحية، وكذلك اعلان افلاس العديد من المنشآت، مما ساهم في ارتفاع طابور البطالة بشكل كبيرة، الامر الذي يشكل قنبلة اجتماعية موقوتة خلال الفترة القادمة، نظرا لصعوبة احتواء الازمة خلال الفترة القادمة.

التعامل السريع واتخاذ القرارات الصعبة والجريئة، من جملة العوامل الفارقة بين دول وأخرى على المستوى العالمي، فهناك بعض الدول مارست ”الشماتة“، وعدم اللامبالاة تجاه جائحة كورونا، الامر الذي افقدها احدى الأوراق الرابحة في تطويق الفيروس، بحيث تجلى في سقوط الاعداد الكبيرة في غضون فترة قصيرة، مما جعلها في مقدمة الدول المنكوبة، بالرغم من الخطوات المتخذة لمواجهة الازمة، نظرا لصدورها في وقت متأخر بعض الشيء، مما انعكس على محدودية النتائج المتوقعة، فيما الدول التي بدأت الاستعداد المبكر لاحتمالية وصول الفيروس، استطاعت التحرك وفقا للخطة الزمنية الموضوعة، اذ تمثلت في تماسك المنظومة الصحية، والقدرة على استيعاب الاعداد المصابة بفيروس.

التحرك الاستباقي لمواجهة الخطر الداهم، عنصر أساسي في السيطرة على الوضع الاستثنائي، فالدولة التي قامت بخطوات استباقية قبل اعلان اول إصابة بفيروس كورونا، فرضت نفسها بقوة على المستوى العالمي، لاسيما وان التحركات الانفرادية وغير المنظمة، تستنزف الكثير من الجهود، مما يعرقل الوصول الى المستهدفات الموضوعة، لاسيما وان وقت التحرك احد العوامل الأساسية في تحقيق الأهداف المرسومة، فالدولة التي تتحرك متأخرة تبقى عاجزة على وضع الخطط المناسبة، وكذلك فقدان القدرة على السيطرة على الوضع بشكل سريع، وبالتالي فان التحركات المدروسة تلعب دورا أساسيا في مواجهة الخطر بعقلانية، بعيدا عن القرارات الارتجالية او الخطط العشوائية.

اطلاق الصلاحيات للجهات المختصة، والتقليل من المركزية في اتخاذ القرارات، يساعد في انتهاج الخيارات المناسبات وفقا للتطورات على الأرض، لاسيما ان المرونة في عملية التعاطي مع الواقع يدفع للتحرك السريع، بما ينسجم مع المستجدات، فهناك العديد من الجهات الرسمية باتت مطلقة الايدي في اتخاذ القرارات المناسبة، خصوصا وان المركزية تحول دون السيطرة على الوضع في الغالب، لاسيما وان الحالات الاستثنائية تستدعي سرعة اتخاذ القرارات، فالمعالجات السريعة تحول دون تفاقم الأوضاع، خصوصا ان السيطرة على الأمور في البداية، تكون اقل تكلفة من التحرك بعد استفحال الأمور، كما ان عملية القدرة على السيطرة على الأوضاع الاستثنائية في البداية، تبدو اسهل من عملية تطويقها بعد اتساع دائرتها في كافة الاتجاهات.

ازمة كورونا شكلت تحديا حقيقيا امام الكثير من الدول، سواء في اختبار المنظومة الصحية، او القدرة على اكتشاف الحلول السريعة، فضلا عن اطلاق المبادرات القادرة على تخفيف الاثار الاجتماعية، فهناك العديد من الدول أظهرت الجانب الإنساني والمشرق، في التعامل مع مواطنيها لمواجهة ازمة كورونا، فيما كشفت بعض الدول الوجه الاخر وغير المعروف، حيث تكشفت الكثير من الأمور الخافية، الامر الذي تمثل في ارتفاع الأصوات المناشدة، بضرورة الاستفادة من الدول ذات الوجه الإنساني، في التعامل مع رعاياها، خصوصا وان الدول تمثل الحضن الدافئ في السراء والضراء، مما يحتم انتهاج قرارات صعبة وتصب في مصلحة المواطنين بالدرجة، خصوصا وان الرهان الدولة في تجاوز المحن الكبرى يبقى قائما لدى المواطن، نظرا لوجود الإمكانيات الضخمة التي تؤهلها للقيام بالدور المطلوب على الوجه الاكمل.

كورونا احدثت انقساما كبيرا في عملية الاحتواء، فهناك بعض الدول تعمل وفق منهجية سليمة، بدون ضجيج او برهجة إعلامية، فيما بعض الدول تمارس الدور التهريجي، فيما يتعلق بالقرارات المتخذة، وبالتالي فان الفرق واضح بين الالية المتبعة، فالقسم الأول يعمل بصمت بما يحقق الهدف المنشود، والتحرك بصورة واضحة دون الانشغال بالاعلام الخارجي، بينما القسم الثاني يتحرك بالانسجام مع الضجيج الإعلامي، مما يعطل جهودته لمواجهة المرض بالطريق المثلى، وبالتالي فان العملية بحاجة الى إعادة منهجية العمل الحكومي، بما ينسجم مع مصالح الشعوب، دون الالتفات لتحقيق نقاط إيجابية لصالح الحكومة.

كاتب صحفي