الاقتصاد... يا أولي الالباب
كل وكالات العالم الاخبارية تحدثت باسهاب في عرض الاوجاع الاقتصادية والانهيارات المالية وتصاعد مؤشر البطالة في معظم دول العالم. حتى أن الكثير من الناس أضحى محبطا بسبب سماع تماطر الأخبار القاتمة لفترة غير قصيرة من الزمن في المجال الصحي العالمي والاقتصادي. وأضحت معظم القروبات والمنتديات والتغريدات تنحو نفس المنحى بتناقل ذات الصور والأنباء، فعمت غيمة سوداء وأفكار سوداوية محبطة في نفوس الملايين من أبناء البشر. سؤال المليون دولار في الوقت الراهن هو: متى تنقشع تلكم الغيمة ويتم التخلص من فيروس كورونا وتعود الحياة الطبيعية لبني البشر؟. شخصيا لست متخصص في علم الاقتصاد أو علوم الصحة ولست متخصص في شؤون إدارة التذبذبات الاقتصادية المضطربة. إلا أنني، كما بعض أبناء جيلي، عاصرت وشاهدت واكتويت شخصيا ببعض التذبذبات لبعض القطاعات الاقتصادية وإن كنت مستثمر غير نشط. يعد انحسار تلكم الاضطرابات في الأسواق والمؤشرات، استحضر العوامل المختلفة والمتداخلة والمؤثرة على تذبذب أسعار الأسهم، مثلا، وأنشطة الشركات المساهمة المستثمر فيها وأنشطة قطاعات تجارية مختلفة. ولكوني ممن يسترشد بتجارب دروس وعبر «Lesson Learned»، أفردت بعض الوقت وتدارست بعض الأزمات اقتصادية سابقة بعد حدوثها لاستنطاق العبر والدروس المستفادة على المستوى الشخصي وبعيدا عن الضوضاء والصخب والانفعالات المفرطة أو التفريطية.
استفظت بقراءات متعددة لأصحاب تحليلات اقتصادية مختلفة بدافع التثقيف والتعليم الذاتي في الشأن الاقتصادي المحلي والعالمي. بين تجارة النفط «برنت وتكساس» والذهب والفضة والعملات «الدولار واليورو والين» والمنتجات الزراعية «القمح والقهوة واللحم» والأسهم «الزرقاء blue chips ومنعدمة اللون» وتعلمت بعض الخطوط العريضة في التداخلات والتعاملات وقواعد المتاجرة والعلاقات المتعاكسة والمتلازمة بين عدة سلع والتحليلات الفنية للمؤشرات من شموع candlestick أو دموع. بعد وقوع أي أزمة في الأسواق العالمية، يطل المحللون الاقتصاديون من خلال الفضائيات التلفزيونية ويصرخون بأن الذهب هو الملاذ الامنفي الأزمات وينصحون به. ويقول المحللون عند ارتفاع نسب البطالة وارتفاع منسوب التضخم inflation في اسعار السلع الاستهلاكية ذات التوصية في اقتناء معدن الذهب. ويتنبأ المحللون الاقتصاديون بأن الطقس السيء يعني إمكانية نقص موارد بعض السلع مثل القهوة والسكر في بلاد المنشأ وهذا يعني ارتفاع منسوب الندرة scarcity وتصاعد سعر السلع. وهكذا أضحت كل السلع تحت مجهر التحليل الاقتصادي والفضائيات كدست أعداد كبيرة من المحللين دون تدقيق في خبرات بعضهم أو عمق التحليل الصادر منهم.
مع إطلالة هذه الجائحة عالميا، ازدات متغيرات التحليلات وتناثرت الآراء والتحاليل بين أهل الفن الاقتصادي الواحد.
ففي الوقت الذي يقول فيه اقتصادي عن وجوب وقوع التصحيح في القوة الشرائية للعملات، deflation، نسمع محلل اقتصادي آخر يذهب إلى أن الأمور ستذهب باتجاه التضخم في قيمة السلع، inflation. وفي تحليل آخر يذهب البعض من الاقتصاديين إلى إمكانية وقوع كلا من الركود والتضخم الاقتصادي العالمي، stagflation.
أما أغلب سكان كوكب الارض، فقد انشطر المتضررين اقتصاديا بين أحد الفئات التالية:
- طالب مساعدة، نتيجة لفقدان مصدر دخله المالي بالكامل
- ومنحسر دخله نتيجة للحسميات من راتبه او فقدان جزء من مبيعاته
- ومتبرع أو متطوع بنية الفزعة أو المواساة للمستحقين للإعانة أو قربة لله أو دعاية لشركته أو ترجمة منه لمشاعره الانسانية النبيلة.
ولعل كل مجتمع في المعمورة، الآن، يتطلع لمساهمات المحسنين العينية والمالية للتخفيف عن المعدمين والفقراء والمساكين والأرامل واليتامى والمشردين والمتضررين لاسيما في ظل جائحة كورونا.
إلا إنه الاغلب من المحللين الاقتصاديين لم يعرضوا حلول ناجعة حتى الساعة لتجاوز تصدعات وتحديات جائحة كورونا الاقتصادية. ولا يعلم أحد المدى الزمني لاستمرار الفيروس، ولا مدى قدرة صمود مدخرات عامة الناس للايفاء بحاجاتهم الاساسية.
حاليا يورد الصحفيون والاعلاميون بشكل متكرر كلمات اقتصادية تخصصية دون طرح فهم مبسط وعميق للقراء أو المستمعين. ودون إعطاء تصور كامل لإيجاد أرضيات استيعاب لانعكاسات فهم تلكم المصطلحات من بعض المتابعين على أرض الواقع ومعايشهم.
فكلمات مثل:
- التضخم
- العرض والطلب
- الافساح الكمي
- الضرائب بأنواعها
- السلع الأساسية والسلع الاستهلاكية
- التحوط المالي
- العرض النقدي
- الدورات الاقتصادية وإدارة الأزمات
- التحليل الجزئي والكلي للاقتصاد
- شخصية البنك المركزي الاعتبارية وانعكاس قراراته على البنوك والاقراض والايداعات
يتطلب أي تقرير اقتصادي اخباري استخدام بعض أو كل تلكم المصطلحات الفنية التخصصية. وعلى الأفراد غير المتخصصين السعي الجاد لتثقيف الذاتي، self - education، لفهم جيد وهادف لآليات عمل الانشطة الاقتصادية. في كلمة تنسب للرسول الكريم: ”من لا معاش له لا معاد له“. وهذه الجملة تحث الانسان في استدراك الأمور المعيشية لتأمين حياة اقتصادية كريمة له ولمن يعول وتحفظ ماء الوجه من السؤال وتجعل الانسان في وضع أقوى لإدارة مسيرة حياته وللابحار نحو أهدافه. فالاقتصاد الاقتصاد يا أولي الألباب. فبينما البعض غارق في قتل وقته بالتسلية المفرطة حد التخمة، نذكرهم وأنفسنا بضرورة التثقيف الاقتصادي والمالي للحفاظ على مابين الأيدي من نعم وشكر الله عليها ومد يد العون والمساعدة للأكثر حاجة من أبناء المجتمع.