آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 1:52 ص

حكم القانون

محمد أحمد التاروتي *

بعيدا عن الضجة المصاحبة للسباق الرئاسي بالولايات المتحدة على خلفية غياب الرؤية بشأن هوية الرئيس الأمريكي القادم، فان المنافسة المحمومة أظهرت احتراما للقانون وعدم القفز على المؤسسات الحاكمة، فالرئيس الأمريكي ترامب عبر عن امتعاضه عن سير العملية الانتخابية وانقلاب النتيجة بالكثير من التصريحات ولكنه ما يزال تحت سقف النظام من خلال الاعتراض على النتائج بطريقة شرعية وقانونية باللجوء الى المحكمة العليا.

اللجوء الى المحكمة العليا للبت في الشكاوى والدعاوى بشأن قانونية آلاف الاصوات، اعترافا صريحا ”ان القانون حاكما على الجميع“، فالعملية ليست بحاحة الى المغامرات العنترية او الاعمال الفوضوية لاسترداد الحقوق، لاسيما وان القانون قادر على الفصل في المنازعات وإعادة الأمور لوضعها الطبيعي، خصوصا وان استقلالية القضاء تعطي ارتياحا كبيرا باعتماد النزاهة في القرارات والاحكام، وبالتالي فان الجنوح للقضاء يمثل رضوخا واضحا للقانون، باعتباره صاحب الكلمة الفصل والقادر على اسكات جميع الأصوات، نظرا لما يتمتع به من سلطة وقوة تتجاوز جميع المسميات والمناصب سواء كانت ”منصب الرئيس“ او غيره من المناصب التنفيذية او الرقابية.

أظهرت الانتخابات الامريكية عمق مؤسسة القضاء وقدرتها على فرض كلمتها على الجميع، حيث قامت بإلغاء قرار سابق بإيقاف ”فرز الأصوات“ بأحد الولايات بعد ساعات من قرار قاضي يتضمن ”إيقاف فرز الأصوات“ بعد الاعتراض المقدم من حملة الرئيس ترامب، وبالتالي فان استمرار عملية فرز الأصوات بعد قرار المحكمة يكشف الرضوخ الكامل من قبل جميع الأطراف المتنازعة، بمعنى اخر، فان التسليم بالقانون عملية أساسية للحفاظ على النظام المؤسساتي سواء في الولايات المتحدة او غيرها من البلدان، لاسيما وان نزاهة القضاء يعطي الدولة قوة كبرى، مما يؤسس للعدالة الاجتماعية والايمان الكامل بالحصول على الحقوق بعيدا عن الضغوط التي تمارسها بعض الأطراف النافذة للتأثير على المحاكم لاصدار احكام غير عادلة.

المعركة القضائية التي سيخوضها الرئيس ترامب ستكون طويلة ومرهقة، في حال رفضه التسليم ب ”الهزيمة“، لاسيما وان التقاضي يتطلب الكثير من الجهد والمزيد من العمل، مما يجعل التعرف على هوية ساكن البيت الأبيض غير معروفة لعدة أسابيع، خصوصا في ظل الاتهامات التي يسوقها الرئيس الأمريكي بخصوص نزاهة الانتخابات وحصول انتهاكات كبيرة وعمليات تزوير واسعة ”بفعل التصويت عبر البريد“، بيد ان الوجه الاخر من عملية التقاضي على منصب الرئاسة يكشف مدى الالتزام الكامل بالاليات النظامية وعدم انتهاج الفوضى والخروج عن النظام برفض ”تداول السلطة سلميا“، الامر الذي يعطي دروسا في احترام العملية الديمقراطية والابتعاد عن ردود الأفعال الشخصية، خصوصا وان قواعد اللعبة الانتخابية تفرض الاعتراف بالهزيمة والابتعاد عن المكابرة واعتماد مبدأ ”التخريب“ انطلاقا من ثقافة ”علي وعلى اعدائي“ التي تمارس في الكثير من الاعمال الحياتية في العديد من الصفقات التجارية او غيرها من الممارسات الأخرى.

التعبير عن الامتعاض واظهار الغضب عملية مألوفة وغير مستغربة، خصوصا في ظل المنافسة المحمومة بين الأطراف المتنازعة، فكل طرف ينظر للمنافسة من زاوية مختلفة، مما يجعل الالتقاط عند نقطة مشتركة من الصعوبة بمكان في أحيان كثيرة، مما يفرض الاحتكام لطرف ثالث قادر على رؤية الأمور من جميع الزاويا، الامر الذي يفضي للوصول الى نقاط ترضي جميع الأطراف وأحيانا اتخاذ قرارات غير مستساغة لدى احد الأطراف، نظرا لوجود دلالات قاطعة بحصول انتهاكات وتجاوزات كبيرة، وبالتالي فان التوجه الى القضاء يمثل الخيار الأفضل لقطع الطريق امام الممارسات ”العنترية“ والتي تدخل الجميع في صراعات طويلة وتقوض النظام سواء بطريقة مباشرة او غير مباشرة.

كاتب صحفي