آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 10:41 م

مخطوطة مهاجرة من القرن العاشر الهجري للشيخ إبراهيم بن الحسن الدراق الخطي

السيد علي باقر الموسى *

من خلال عملية المتابعة والبحث في التراث الأحسائي المخطوط المهاجر، وجدتُ مخطوطة مهاجرة لأحد العلماء، وهو ربما يكون من أصلِ أحسائي كما صرح بذلك الباحث العراقي المرحوم كاظم عبود الفتلاوي، في مجلة ”ينابيع“ التي تصدر عن مؤسسة الحكمة في النجف الاشرف، العدد التجريبي رقم «0» رمضان / شوال لعام 1424 هـ ، صفحة ”للفضيلة نجومها“ في مقال تعريفي حول شخصية العلامة الشيخ علي بن هلال الجزائري [1] ، شيخ الإسلام المنسي، حسب تعبيره، فقد ذكر ”الفتلاوي“ في صفحة «81» ان من ابرز تلامذة الشيخ علي بن هلال الجزائري، بعد الشيخ محمد بن أبي جمهور الأحسائي تلميذه الشيخ إبراهيم بن الحسن الوراق الأحسائي، ولفت انتباهي نسبة الشيخ الوراق للأحساء، علما ان هذه الشخصية العلمائية، لأول مرة تُذكر أنها أحسائية، ربما المرحوم كاظم الفتلاوي، وجد مايشير الى كونه من الأحساء، وقد تواصلتُ مع ابنه حينها، وطلبتُ منه أن يبحث في ارشيف والده، وأخبرني ان كل ما كتبه والده الراحل موجود في كتبه المطبوعة، ولهذا أخترتُ طريقا آخر هي أن أبحث بنفسي عن هذه المعلومة، لذا قمتُ مباشرة بحركة بحث وتقصي حول هذه الشخصية في كتب التراجم والأعلام، والاجازات والمخطوطات، وتوصلت إلى مجموعة حقائق ونتائج ومعلومات مشتتة مهمة حول هذه الشخصية المغيبة، كما في الكتب والمصادر، وقد أخترت بعض المصادر، ليس على سبيل الحصر، بل لشهرتها وهي كالتالي:

1 - طبقات أعلام الشّيعة - إحياء الداثر من القرن العاشر لآغا بزرك الطهراني [2] :

ابراهيم الدراق بن الحسن من أوثق مشايخ ابراهيم بن سليمان القطيفى كما ذكره في جملة من إجازاته «- ذ 1 قم 621 و624» وقال إنّه يروى عن على بن هلال الجزائرى، ويروى

عن صاحب الترجمة أيضا نور الدين على بن الحسين بن عبد العالي المحقق الكركي، بإجازة «ذ 1 قم 621» صدرت منه للكركي في رمضان 909 قال في «الروضات» إني رأيت الاجازة ويروى أيضا عن صاحب الترجمة على بن جعفر بن أبى سميط الذى يروى ابراهيم بن سليمان القطيفى بتوسطه أيضا عن صاحب الترجمة كما ذكره في إجازته للخليفة شاه محمود «ذ 1 قم 625»، ويأتي على بن الحسن بن ابراهيم الدرّاق الذى كتب النصف الثاني من الشرائع 897 والظاهر أنّه أخ صاحب الترجمة وأنّ ابراهيم كان جدّهما.

2 - بحار الانوار للعلامة المجلسي، كتاب الاجازات، اجازة الشيخ إبراهيم بن سليمان القطيفي، للخليفة شاه محمود، جاء فيها ما نصه ”الثالثة رويتُ عن جماعة ثقات أوثقهم شيخي الشيخ ابراهيم بن الحسن الدراق مشافهة وعن جماعة عنه أوثقهم الشيخ علي بن أبي سميط عن الشيخ ابراهيم بن الحسن الدراق، عن الشيخ الأجل علي بن هلال عن شيخه عزالدين الحسن بن يوسف [3] “

3 - بحار الانوار، اجازة الشيخ ابراهيم بن سليمان القطيفي، لشمس الدين محمد بن تركي، بتاريخ 16/1/ 915 هـ ، قال فيها ما نصه "وأجزت له أن يروي عني عن شيخي المحقق المدقق فاضل عصره وزبدة دهره المعتمد على الله الخلاق إبراهيم بن الحسن الدراق، وعن عدة مشايخ ثقات عنه أيضا عن زبدة المتأخرين وزبدة المتقين نور الدين علي بن هلال عن شيخه عزالدين الحسن بن يوسف المعروف بابن العشرة عن شيخهما معا

الإمام الأجل التقي الورع أبي العباس جمال الملة والحق والدين أحمد بن محمد بن فهد، جميع تصانيفه عنه [4]  "

4 - الذريعة الى تصانيف الشيعة، إجازة إبراهيم بن الحسن الدراق، للمحقق الثاني الشيخ علي بن عبد العالي الكركي، والتي كتبها في شهر رمضان سنة 909 هـ  [5] .

5 - موسوعة مؤلفي الامامية، ذكرت الشيخ إبراهيم بن الحسن وكانت مترددة في لقبه بين الوراق والدراق، واشارت الى انه فقيه محدث مفسر، أكمل المراحل العالية للفقه والحديث والكلام تحت إشراف نخبة من الأساتذة، منهم: الشيخ علي بن هلال بن فضل الجزائري مؤلف ”الأنوار الجلالية“ وروى عنه، درس في الحوزات العلمية بكربلاء وقزوين تخرج في حلقات درسه بعض الأعلام المجتهدين أشهرهم الشيوخ: إبراهيم بن سليمان القطيفي «ت 945 ه‍»، علي بن حسين بن عبد العالي الكركي العاملي، علي بن جعفر بن أبي سميط، كما أجاز الشيخ شمس الدين محمد بن حسن الاسترآبادي بتاريخ «920 ه‍» ومن أثاره كتاب معدن العرفان في فقه مجمع البيان لعلوم القرآن [6] .

6 - مجلة تراثنا، مقالة“فقه القران في التراث الشيعي" للشيخ محمد علي الحائري الخرم ابادي، فقد ذُكر كتاب معدن العرفان في فقه مجمع البيان لعلوم القرآن، ضمن قائمة كتب فقه آيات الأحكام في التراث الامامي، وعبر عن مؤلفه بالمحقق الفقيه إبراهيم بن حسن الدراق - الوراق -، وكان متردداً بين الدراق والوراق، واشار انه من أهل أوائل المائة العاشرة، ومن أوثق مشايخ الاجازة للشيخ إبراهيم ابن سلمان القطيفي البحراني.

وتعجب كاتب المقال أن الكتاب لم يذكره صاحب الذريعة في موسوعته، وقد وُجدت نسخة مخطوطة فريدة ونفيسة للكتاب لأول مرة في مكتبة جامعة لوس أنجلس في أمريكا، ضمن مجموعة 1061[7]  M.

وبعد ان استعرضتُ جملة من المصادر التي أشارت إلى الشيخ إبراهيم الدراق وكتابه معدن العرفان، فقد لاحظتُ مجموعة استنساخات مخطوطة بخط يده مع وثائق تاريخية، توصلتُ من خلال الاطلاع عليها الى نتيجة قطعية، وهي ان لقب الشيخ ابراهيم بن الحسن هو الدراق، وليس الوراق، واما الوراق فهو مجرد تصحيف لكلمة الدراق، كما اشار الشيخ ابراهيم، خلال استنساخه بخط يده لأحدى المخطوطات [8] ، الى لقبه الحقيقي وهو الدراق، وقد استفسرتُ من الباحث القطيفي الكبير الاستاذ عبد الخالق الجنبي، عن أصل لقب الدراق في القطيف، واخبرني مشكوراً؛ بانه لا يرى أن الدرّاق هنا هي نسبة إلى بائع الدّراق، فأهل القطيف لا يسمون فاكهة الدرّاق بهذا الاسم، وإنما يطلقون عليه اسم الخوخ عامة أو الغَوْج لبعض أنواعه وأما الدرّاق الواردة في نسب هذا الناسخ، فالأقرب أنها مأخوذة من الدَّرَق، وهو ضرب من الدروع المصنوعة من الجلود، الواحدة دَرَقة، ويقال لصانعها دَرَّاق، وقد اشتهرت القطيف بصناعة آلة الحرب من قديم الزمان، ومن ذلك القنا الخطي، والرمح الرديني.

وبعد اطلاعي السريع على ما كُتب حول الشيخ إبراهيم الدراق، توصلتُ الى توثيق ترجمة مختصرة عنه من عدة مصادر وانه من القطيف وليس من الأحساء، وهي كالتالي:

الشيخ إبراهيم بن الحسن بن إبراهيم [9]  الدراق [10]  الخطي [11] 

فقيه ومفسر إمامي، أصله من القطيف والتي تسمى سابقا الخط بحسب مجموعة وثائق مخطوطة، منها؛ استنساخه لمخطوطة في القطيف، سنة 904 هجرية [12] ، وكذلك استنساخ مخطوطة إرشاد الطالبين [13]  من قبل أخيه علي بن حسن بن إبراهيم الدراق الخطي بتاريخ الثاني عشر من جمادى الأول سنة ستة وتسعين وثمانمائة هجرية، علما انه كتب سابقا النصف الثاني من مخطوطة الشرايع سنة 897 هجرية، تحت أسم على بن الحسن بن ابراهيم الدرّاق، بدون النسبة الى الخط «كالخطي» ونلاحظ انه في مخطوطة إرشاد الطالبيين كما في صورة الصفحة الاخيرة للمخطوط في ملحق المقال كتب في نهاية اسمه الخطي

والمؤلف لم يُترجم له في كتاب أنوار البدرين [14] ، الخاص بعلماء الأحساء والقطيف والبحرين ربما بسبب هجرته من القطيف الى عيناثا [15]  بجبل عامل في بلاد الشام، وعاش اكثر حياته فيها كما يبدو، لأنه في سنة 883 هجرية، نسخ کتاب نهاىة الأحكام ببلدة عيناثا [16] ، وقد سبقه في الهجرة إليها الشيخ ناصر بن إبراهيم البويهي الأحسائي [17]  الذي توفي فيها سنة 852 هجرية [18] ، وكانت دراسة الدراق فيها، على يد كبار علماء عيناثا وكان أبرز علمائها آنذاك الشيخ جمال الدين أحمد بن الحاج علي العيناثي وتلميذه شمس الدين محمد بن علي بن محمد بن خاتون العيناثي، وغيرهم من العلماء، ثم التحق بحوزة كرك نوح في جبل عامل، وتتلمذ على يد الشيخ علي بن هلال الجزائري [19] ، وأخذ منه الإجازة، ثم رجع الى القطيف، ونسخ لنفسه كتاب إيضاح الاشتباه في أسماء الرواة، للعلامة الحلي، بتاريخ 10 جمادى الأولى سنة 904 هجرية [20] .

تلامذته:

تتلمذ على يديه جملة من العلماء، أبرزهم:

1 - الشيخ ابراهيم بن سليمان القطيفي [21] ، المعروف بالفاضل القطيفي المعاصر للمحقق الكركي، وهو أوثق شيوخه كما عبر عن ذلك في إجازاته

2 - الشيخ علي بن جعفر بن عبد الله بن منصور بن أبي سميط [22]  الأحسائي [23] ، الذي أجازه بالرواية عنه وعن أستاذه الشيخ علي بن هلال الجزائري، وهو كما قال عنه بعض تلامذته بأنه“علامة زمانه والفائز بقصبات التحقيق في ميدان السبق على أقرانه، المحقق للفروع" [24] ، وقد أوقف في العشر الأخرى من الفطر الأول من سنة 910 هـ ، على الصالح العام من بعده، کتاب نهاىة الأحكام [25]  الذي استنسخه استاذه الشيخ ابراهيم الدراق، ويعتبر الشيخ علي بن جعفر بن أبي سميط، من اوثق شيوخ الشيخ ابراهيم بن سليمان القطيفي، كما عبر عن ذلك في إجازاته [26] ، ومن ابرز مؤلفاته حاشية شرح القطبي على كتاب الشمسية في المنطق [27] .

3 - المحقق الثاني الشيخ علي بن عبد العالي الكركي العاملي، وقد أجازه في شهر رمضان سنة 909 هجرية [28] ، ببلدة كرك نوح في جبل عامل.

4 - الشيخ شمس الدين محمد بن حسن الاسترآبادي، الذي أجازه سنة 920 هجرية [29] .

مؤلفاته:

1 - معدن العرفان في فقه مجمع البيان لعلوم القرآن [30] .

قال عن سبب تأليفه [31]  " إن الآيات الفقهية لم يفرد لها أصحابنا رضوان الله عليهم مجمعا وافيا ولا نصابا شافيا مع أنها أعظم الطرق إلى الأحكام الفقهية والآلة الاستدلالية على المسائل الاجتهادية،... وقد خرج بحمد الله كتابا مستوفى جامعا لعلوم الآيات الفقهية، وافيا بخط الآلة الاستدلالية، حاويا لأقوال المفسرين والفقهاء، من خلاف وإجماع وناسخ ومنسوخ مجمع عليه ومختلف فيه، ولم أتكل في سبر آيات الأحكام على ما أفرد قبلي من الدساتر في هذا المقام.

وهذه معلومات المخطوطة: معدن العرفان في فقه مجمع البيان لعلوم القرآن

كُتبت بخط النستعليق، كتبها عطاء الله بن أمير السلام في يوم الاثنين 17 جمادى الاخرة سنة 968 هـ، وتملكها ملا علي نقي التويسركاني في شهر ذي القعدة سنة 1160 هـ، عدد صفحتها 460 صفحة من القطع الكبير، وهي نسخة فريدة في العالم، محفوظة في مكتبة جامعة لوس أنجلس في أمريكا [32] ، وتقع في مقدمة و«6» فصول، من الطهارة إلى الديات والجنايات، سخة كاملة.

وهذه مقدمة مخطوطة معدن العرفان:

الحمد لله الذي أنزل الذكر قرآنا وفرقانا لكل شي جامعا، وتبصرة وتبيانا، والصلاة على القائم به تبليغا وبيانا محمد وآل وسيلتنا ومبتغانا.

وبعد:

فأضرع المحاويج إلى الرزاق، إبراهيم بن الحسن الدراق، يقول: هذا كتاب «معدن العرفان في فقه مجمع البيان لعلوم القرآن» بعثه على كد الخاطر في تمخًخ نكته وإمعان النظر والناظر في تأليف متشتته أمران:

أحدهما: إنه بين سائر التفاسير كالشمس الضاحية في السماء الصاحية، كسفت نجومها، وكشفت غيومها ; إذ هو كما قال مصنفه، الفاضل على آخره العلامة في تبحَّره، المدقق في تطوره أمين الدين أبوعلي الفضل بن الحسن الطبرسي - قدس الله روحه -: «لمجمع أنواع هذا العلم وفنونه ويحوي فصوصه وعيونه من علم قراءته وإعرابه ولغاته وغوامضه ومشكلاته ومعانيه وجهاته ونزوله وأخباره وقصصه وآثاره وحدوده وأحكامه وحلاله وحرامه.

وثانيها: إن الآيات الفقهية لم يفرد لها أصحابنا - رضوان الله عليهم - مجمعاً وافياً ولا نصاباً شافياً مع أنها أعظم الطرف الجلية إلى الأحكام الفقهية والآلة الاستدلالية على المسائل الاجتهادية، سيما وعلوم الآيات كما أشار إليه رحمه الله بحر متشعب الخلجان، ومهمهٍْ مهجور المسالك سيما الآن فعزمت بتوفيق الله واستعانته عليه، وبادرت بعد التثاقل إليه قضاء لحقوق الإخوان، وقطعاً لعذر المتعلل على الديان، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.

مقدمة: تشتمل فنوناً:

الأول: التفسير: كشف المراد عن اللفظ المشكل، والتأويل رد أحد المحتملين إلى ما يطابق الظاهر، والفسر: البيان قال أبو العباس المبرد: هما واحد وكذا المعنى: وقيل: الفسر: كشف المغطى، والتأويل: انتهاء الشي ومصيره وما يؤول إليه، والمعنى: مأخوذ من عينته أي قصدته. وقيل: هو من عنيت بكذا: أي تكلفته، وقيل: التأويل: التفسير؛ وأصله: المرجع والمصير من قولهم: آل أمره إلى كذا يؤول أولاً إذا صار إليه، وأولته تأويلاً صيرته إليه.

الثاني: قد صح الخبر عن النبي «صلى الله عليه واله وسلم» وعن الأئمة القائمين مقامه _ _: أن تفسير القرآن لا يجوز إلا بالأثار الصحيحة والنص الصريح، لكن لما ندب سبحانه إلى الاستنباط وأوضح السبيل إليه ومدح أقواماً عليه، فقال: ﴿لعلمه الذين يستنبطونه منهم وذم آخرين على ترك تدبره، والاضراب عن التفكر فيه، فقال: ﴿أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها وذكر أن القرآن منزل بلسان العرب، وقال صلى الله عليه واله وسلم: «إذا جاءكم عنى حديثا ً فاعرضوه على كتاب الله فما وافقه فاقبلوه وما خالفه فاضربوا به عرض الحائط».

وبين أن الكتاب حجة ومعروض عليه، ولم يكن العرض عليه وهو غير مفهوم المعنى؛ ودل هذا وأمثاله على أن التوقف على الخبر والسمع مطلقاً، وكذا النهي عن التفسير بالرأي مطلقا متروكاً الظاهر دلالة ظاهرة، والقول الوسط في ذلك هو الامتثال بالتدبر والتفكر مع العمل بشواهد ألفاظ القرآن، ولما روي عن النبي ﷺ: «القرآن ذو وجوه فاحملوه على أحسن الوجوه» وعن ابن عباس قسم وجوه التفسير على أربعة:

1 - تفسير لا يعذر أحد لجهالته؛ وهو ما يلزم الكافة من الشرائع التي في القرآن وجمل دلائل التوحيد.

2 - تفسير يعرفه العرب بكلامها؛ وهو حقائق اللغة وموضوع كلا مهم.

3 - تفسير يعلمه العلماء؛ وهو تأويل المتشابه وفروع الأحكام.

4 - تفسير لا يعلمه إلا الله عزوجل وهو مايجري مجرى الغيوب وقيام الساعة.

الثالث: الكلام إن كان طبقاً لمعناه بأن يكون غير مجمل يحتاج إلى بيان، ولا محتمل لمعنيين، أو مكان، فكل من عرف العربية والإعراب عرف فحواه ويعلم مراد الله به قطعاً، وذلك كقوله: ﴿ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق و﴿إلهكم إله واحد و﴿لا يظلم ربك أحدا.

وإن كان مجملاً لا ينبئ ظاهره عن المراد به مفصلاً كقوله: ﴿أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة و﴿آتوا حقه يوم حصاده احتيج فيه إلى بيان كأعداد الركعات ومقادير النصب في الزكوات وأمثالها كثير، ثم الشروع في بيان ذلك من غير نص ولا توقيف ممنوع منه، وإن كان محتملاً لأمور كثيرة أو لأمرين فلا يجوز أن يكون الجميع مراداً، بل قد دل على أن لا يجوز أن يكون المراد إلا وجهاً واحداً، فهو من باب المتشابه، لاشتباه المراد منه بما ليس بمراد، فيحمل على الوجه الذي يوافق الدليل، وجاز أن يقال: هو المراد.

وأن كان اللفظ مشتركاً بين معنيين أو أكثر ويمكن أن يكون كل واحد من ذلك مراداً، فلا ينبغي أن يقدم بجسارة أن المراد به كذا قطعاً، إلا بقول نبي أو إمام مقطوع على صدقه، بل يجوز أن يكون كل واحد مراداً على التفصيل ولا يقطع عليه، ولا يقلد أحدا من المفسرين فيه، إلا أن يكون التأويل مجمعا ً عليه فيجب اتباعه، لانعقاد الاجماع عليه.

وهذه الجملة أصل يجب أن يرجع إليه ويعول عليه ويعتبر به وجوه التفسير وما اختلف فيه العلماء من نزول القرآن والمعاني والأحكام.

الرابع: من علوم القرآن ما يحال شرحها وبسط الكلام فيها على المواضع المختصة بها، والكتب المؤلفة فيها منها؛ كونه معجزاً، ووجه إعجازه من الفصاحة المفرطة أو الصرفة أو غيرها، وموضعه كتب الأصول، وقد دونه مشايخ المتكلمين في كتبهم سيما السيد المرتضى علم الهدى في كتابه «الموضح عن جهة إعجاز القرآن»، ومنها ما لا يليق بالتفسير.

الكلام في زيادة القرآن وقد أُجمع على بطلانه ونقصانه، وقد رواه قوم من أصحابنا وقوم من حشوية العامة، والصحيح من المذهب خلافه، لأنه معجز النبوة ومأخذ العلوم الشريعة والأحكام الدينية، وعلماء المسلمين قد بلغوا الغاية في حفظه وحمايته، حتى عرف كل شيء اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وأياته والعلم بتفصيل القرآن، وأبعاضه، في صحة نقله كالعلم بجملته كسائر ما علم ضرورة.

ومنها الكلام في النسخ والناسخ والمنسوخ وحدوده، وأقسام النسخ وشرائطه، والفصل بينه وبين البداء والتخصيص وهل يجوز نسخ العبادة قبل وقت فعلها، وهل يجوز نسخ القرآن بالسنة، وما يعرف به الناسخ ناسخاً والمنسوخ منسوخاً، فإن ذلك أجمع، وإن كان من العلوم المتعلقة بالقرآن، فإن موضعها الكتب المؤلفة في أصول الفقه، وسيأتي ما يليق بالتفسير في مظانه من الكتب مستوفى إن شاء الله.

الخامس: الإعراب؛ أجل علوم القرآن؛ إذ إليه يفتقر كل بيان، وهو الذي يفتح من الألفاظ الأغلاق، ويستخرج من فحواها الأعلاق، إذ الأغراض كامنة فيها، فيكون هو المثير لها، والباحث عنها، والمشير إليها، وهو معيار الكلام الذي لا يبين نقصانه ورجحانه حتى يعرض عليه، ومقياسه الذي لا يميز سقيمه ومستقيمه حتى يرجع إليه، وروي عن النبي ﷺ أنه قال: «أعربوا القرآن والتمسوا غرابئه».

السادس: ورد عنهم : «القرآن أربعة أرباع: ربع فينا وربع في عدونا وربع فرائض وأحكام، وربع قصص وأمثال» وقد تقرر أن القرآن ستة آلاف وست مئة وستون آية. واشتهر بين القوم أن الآيات الفقهية خمس مئة آية ولا تنافي بين هذه الأمور أما أولا: فإنه قد تتوارد آيتان أو آيات على موضوع واحد بحكم واحد، كما في آيات الزكاة والصلاة والجهاد وغير ذلك وأما ثانياً: فإن الربيع كما يصدق على الأجزاء المتساوية مقداراً، فكذا يصدق على المتوزانة معنى، وإن اختلف المقدار، وأما ثالثا: فإن الأحكام تكون فقهية وتكون أصولية وتكون أخلاقية وأدبية، فجاز أن جملة الأحكام تفي بالربع في المقدار أيضا، وذا أوان الشروع في المقصود من الكتاب، وافً بالمهم في كل باب، وبالمنعم المنان الوهاب الاستعانة والاعتصام والاحتساب.

كتاب الطهارة وفيه مطالب: الأول...

ومنهجية الكتاب، هي تقصي آيات الاحكام الفقهية في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي، وجعلها في كتاب مستقل، لكي يسهل معرفتها.

وفي الختام، من خلال الاستعراض الذي كتبته ان المؤلف الفاضل وبالدليل القاطع، يظهر أن أصله من واحة القطيف والتي كانت تسمى سابقا بالخط، وهو من أجل علماء القرن التاسع الهجري وكبار علماء الامامية في زمانه ومن أبرز شيوخ الاجازة، وان السبب الذي لم يذكره كل من ترجم له في كُتب السيرة والأعلام بأنه ينتمي الى القطيف، هو أن المؤلف نفسه لم يذكر في نهاية اسمه بلده الخط او القطيف في مؤلفاته او خلال استنساخاته للمخطوطات، كما هو الحال مع الشيخ ابراهيم القطيفي او الشيخ محمد بن أبي جمهور الأحساء وغيرهم من العلماء، وهذا الامر الذي لم يرصده صاحب كتاب أنوار البدرين او من تبعه لاحقا في الاستدراكات التي جاءت بعد العلامة القديحي.

واما بخصوص المخطوط فهو بسبب وجوده في امريكا، وعدم وجود نسخ متعددة له، لم يوفق الكتاب ان يرى النور من خلال التحقيق والطباعة والنشر، رغم أهمية هذا الموضوع في تفسير فقه آيات الاحكام.

ملحق


 

[1]  من علماء العراق، ومن تلامذة الشيخ احمد بن فهد الحلي والشيخ حسن بن حسين بن مطر الجزائري الاسدي، هاجر الى بلدة كرك نوح في جبل عامل.

[2]  اغا بزرك الطهراني، طبقات أعلام الشيعة - إحياء الداثر من القرن العاشر، صفحة 3

[3]  محمد باقر المجلسي، موسوعة بحار الانوار، ج 108، ص 88

[4]  نفس المصدر، ج 108، ص 95

[5] آغا بزرك الطهراني، الذريعة الى تصانيف الشيعة، ج 1، ص 133

[6]  مجمع الفكر الاسلامي، موسوعة مؤلفي الامامية، طبعة اولى، قم المقدسة، ج 1، صفحة 194

[7]  محمد علي الحائري الخرم ابادي، مجلة تراثنا، فقه القران في التراث الشيعي «1»، طبعة قم المقدسة، عدد رقم 15، السنة الرابعة «ربيع الثاني - جمادى الاولى - جمادى الثاني» 1409 هـ ،

[8]  العلامة الحلي، مخطوطة نهاية الاحكام، استنسخها سنة 883 هجرية، وعليها تملك وختم الشيخ البهائي

[9]  جده ابراهيم، جاء ذكره على يد اخيه علي بن الحسن بن ابراهيم الدراق، في نهاية استنساخه لكتاب في شهر شعبان سنة 871 هـ.

[10]  الدراق أسرة قطيفية عريقة كان بعض أفراد أسرتها يعرفون بالدراق حتى سنة 1121 هـ جرية، وثيقة قطيفية بتاريخ 17/8/1121 هـ ، عبارة عن حُجة شرعية، احد شهودها يحيى بن حسين الدراق، رأيتها عند الاستاذ نزار العبد الجبار القطيفي.

[11]  مخطوطة إرشاد الطالبين، الشيخ المقداد بن عبدالله السيوري الحلي، مخطوطة محفوظة في مكتبة الميبدي، برقم 1257، زودني بصورة عن الورقة الاخيرة، الباحث في المخطوطات د. كاظم رحمتي.

[12]  استنساخ كتاب ايضاح الاشتباه في معرفة الرواة، للعلامة الحلي، بتاريخ 10 جمادى الاول لسنة 904 هجرية، في القطيف، المخطوطة محفوظة في مكتبة مركز إحياء التراث، قم المقدسة، رقمها «ش: 2/4228»، كذلك فهرس فنخا برقم 37939

[13]  الشيخ المقداد بن عبدالله السيوري الحلي، مخطوطة محفوظة في مكتبة الميبدي، برقم 1257

[14]  الشيخ علي بن الشيخ حسين البلادي القديحي، أنوار البدرين في تراجم علماء القطيف والأحساء والبحرين

[15]  بلدة مشهورة عامرة بالعلماء في الماضي والحاضر، تقع في جنوب لبنان من توابع قضاء بنت جبيل.

[16]  العلامة الحلي، مخطوطة نهاية الاحكام، استنسخها في عيناثا سنة 883 هجرية، وعليها تملك وختم الشيخ البهائي

[17]  من ابرز علماء الأحساء بداية القرن التاسع الهجري، هاجر الى عيناثا وتوفي فيها، راجع أعلام هجر

[18]  محمد صادق بحرالعلوم، وفيات الاعلام، تحقيق أحمد مجيد الحلي، الجزء الاول، صفحة 88

[19]  من علماء العراق، ومن تلامذة الشيخ احمد بن فهد الحلي والشيخ حسن بن حسين بن مطر الجزائري الاسدي، وهاجر الى بلدة كرك نوح في جبل عامل.

[20]  استنساخ كتاب ايضاح الاشتباه في معرفة الرواة، للعلامة الحلي، بتاريخ 10 جمادى الاول لسنة 904 هجرية، في القطيف، المخطوطة محفوظة في مكتبة مركز إحياء التراث، قم المقدسة، رقمها «ش: 2/4228»، كذلك فهرس فنخا برقم 37939، الشكر موصول للدكتور محمد كاظم رحمتي، في قم المقدسة، على ماتفضل به من تصوير اول المخطوطة.

[21]  من ابراز علماء القطيف في بداية القرن العاشر الهجري، معاصر للمحقق الثاني الكركي، سكن الحلة والنجف الاشرف

[22]  من أوثق شيوخ الشيخ إبراهيم بن سليمان القطيفي في إجازة رواية الحديث، ترجم له الطهراني في إحياء الداثر، ص 153

[23]  حسب بعض نسخ المخطوطات، التي استنسخها بعض أفراد أسرة ابن أبي سميط، فان هذه الأسرة أحسائية الأصل من خلال لقب احد أعلامها بلقب االهجري، يراجع معجم أعلام الأحساء في العلم والأدب من الماضين، الجزء 3، للأستاذ احمد البدر، يراجع ترجمة عبد المهدي بن حسين بن أبي سميط الهجري توفي بعد سنة 1039 هجرية

[24]  المولى عبدالله الافندي الاصفهاني، الفوائد الطريفة، تحقيق مهدي الرجائي، مكتبة المرعشي النجفي، قم 1427، صفحة 540

[25]  العلامة الحلي، مخطوطة نهاية الاحكام، استنسخها سنة 883 هجرية، وعليها تملك وختم الشيخ البهائي

[26]  العلامة المجلسي، بحار الانوار الجزء 108، صفحة 87

[27]  المولى عبدالله الافندي الاصفهاني، الفوائد الطريفة، تحقيق مهدي الرجائي، مكتبة المرعشي النجفي، قم 1427، صفحة 540

[28]  آقا بزرك الطهراني، الذريعة، ج1، صفحة 133

[29]  مجمع الفكر الاسلامي، موسوعة مؤلفي الامامية، قم، ج 1، صفحة 194

[30]  محمد يزدي، فقه القرآن، ج1، انتشارات اسماعليان، قم، صفحة 9

[31]  محمد علي الحائري الخرم أبادي، فقه القران في التراث الشيعي «1»، مجلة تراثنا، العدد رقم 15، قم

[32]  ساعدني في تصوير هذه المخطوطة الفريدة والتواصل مع مكتبة جامعة لوس أنجلس مشكورا، كل من سماحة الشيخ مرتضى الهجري، والأستاذ علي الحمد الكويتي وصديقه الباحث د. إدريس السماوي، المقيم في أمريكا، وبهذه المناسبة لا يفوتني أن اشكر إدارة مكتبة جامعة لوس أنجلس، على تعاونهم العلمي وموافقتهم الكريمة على تصوير المخطوطة، رغم أنها من النفائس الفريدة.
باحث ومهتم بإحياء التراث الأحسائي المخطوط