آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 10:41 م

نستولوجيا الحنين للماضي

حسين علي الربح‎ *

الشعور بالنستولوجيا حالة إنسانية رائعة تتجسد فيها اللحظات السعيدة طاردة الشعور بالسلبية تجاه الأشياء، أيضا الحنين للاماكن القديمة جبلة ملاصقة للإنسان، وهي بمثابة عشق ليس للمكان فحسب، إنما للشخوص والذوات التي عشقناها، لحقب زمنية مضت، فتوغلت في شغاف القلوب وزرعت بين الخلايا.

وانت تحتسي مشروبك الشتوي الدافئ وتستلذ به مع موجات البرد القارس، ستقتحم هدوئك الذكريات البعيدة الموغلة في جنبات تاريخك المجيد، ثم لن تجد بدا من التفاعل معها لتستعيد ذكرياتك وماضيك مع من احببت، تلك قوة فائقة تمدك بالعنفوان والألق ولربما غبت عن وعي الحاضر وعشت تلك الأزمنة الجميلة بشخوصها وأماكنها.

إن حنيننا للاماكن ليس بالضرورة حنينا لها، وإنما الحنين الحقيقي للأشخاص والبيئة المصاحبة وقتها أثناء العيش والمكوث فيها، وبذلك شكلت مكانا في الذاكرة لا تمحى بتتابع الأيام والسنين.

لم يكن هذا الاصرار للحنين للماضي مجرد أمر عابر مثله مثل بقية العابرين ابدا، بل أساسا سكيولوجيا إنسانيا ملحا كحيلة دفاعية لعلها تعيد بعض التوازنات المفقودة واختلالات النفس التي أعطبت بفعل عوامل تعرية الزمن وما رسمه من قتامة حاضرة وبالخصوص مع التقدم في السن والشعور بالفقد الإجباري للذوات والمحيط، ولعل بعض التفاؤل يعيد مؤقتا الأمل، فيتذكر المرء حينها

الكثير والكثير من الذكريات، روائح مألوفة، البيوتات القديمة التي سكناها، الأزقة التي مشينا من خلالها، غرفنا القديمة، صورنا العائلية، متعلقاتنا الشخصية، خبز أمهاتنا، الشاي الممزوج بالحليب تفوح منه روائح غريبة وعجيبة، ونادرة لا يمكن تكرارها.

حين تكلمنا بأن ”الانستلوجيا“ حالة من حالات التيهان والوغول في الماضي المثالي للإنسان، لكن الواقع ليس دائما هكذا، وإنما يضم بين جناباته في كثير من الاحيان حالات وحالات من المآسي وانتهاك لبراءة الطفولة والحرمان والتعدي على الحريات الشخصية ولا استثني البؤس، لكن الحاجة الملحة للإنسان للهروب من واقعه المر والذي أتى على غير ما يرام وهو غالبا يأتي هكذا، جعل من ذلك الماضي التليد مخرجا مواتيا لكي تمر الأيام بتلاحقها والسنين بتعاقبها بسلام وراحة.

اود قبل ان اختم كلماتي ان أبين باننا من الممكن ان نكتسب مناعة ضد كل شيء عدا الحنين لماضينا الذي لا يستأذنا أبدا حين يأتي..فيأتي في هيئة /

ذكريات عبرت أفق خيالي..

بارقا يلمع في جنح الليالي..

نبهت قلبي من غفوته..