آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 9:00 م

يوسف (ع) في مواجهة الفتن والتحديات

الشيخ عيسى الحماقي

في ظل الانشغال بشؤون الحياة والتعود على نسقها ورتابتها ومطلباتها وشواغلها قد يصاب الانسان بالغفلة عن نفسه وواقعه ولا يجد الوقت الكافي لمراجعة حساباته وتقييم ذاته بمعايير فكرية ودينية واخلاقية صحيحة ليدرك مدى التناقض او الانسجام معها وحجم النواقص والصفات والاعمال السلبية التي الفها وصارت جزءا من شخصيته وحياته في الوقت الذي يعيش فيه العمى والصمم والغفلة بسبب الاجواء والعوامل والاسباب النفسية كالتضخم والانانية والعجب والغرور والتبرير والتزكية والدفاع الذاتي و... او الاسباب الفكرية والتربوية والاجتماعية كالتربية الخاطئة أو القصور العلمي والثقافي والتقليد الاعمى والموروثات السلبية او الانسياق والخضوع للمحيط العائلي والاجتماعي بما فيه من نواقص وسلبيات وسلوكيات خاطئة ومنحرفة. ان من اهم الوسائل والاسباب التربوية التي اعتمدها الإسلام في تربيته للإنسان هو الارتباط الدائم والمستمر بالوحي الالهي المتمثل في القرآن الكريم والسنة الشريفة باعتباره المربي والمذكر الناصح للإنسان والمعيار الصحيح لصلاحه واستقامته وسلامة مسيرته وسبب رئيسي لنزول الرحمة والتوفيق والعون والمدد الالهي عليه.

واما الاسلوب الثاني فهو اسلوب المحاسبة الشخصية الدائمة والوعظ الذاتي المستمر فهو كفيل بإيقاف الانسان على واقعه وتقيمه لشخصيته والعمل على اصلاحها بعيدا عن الخداع والتضليل الشخصي والاجتماعي.

واما الاسلوب الثالث فهو الاصغاء والقبول والعمل بنصح الناصحين الذين يعززون ويدعمون الصفات الايجابية في شخصيته ويبصرونه بعيوبه ونواقصه وصفاته السلبية ويعينونه على اصلاحها وبهذه الاساليب التربوية يكون الانسان هو المستفيد والرابح الاول منها وسيترك آثاره الطيبة في محيطه العائلي والاجتماعي، وهذه المضامين التربوية هي ما لخصه امامنا الجواد حيث قال: «المؤمن يحتاج الى توفيق من الله وواعظ من نفسه وقبول ممن ينصحه»[1] .

ان هذه الاساليب والوسائل التربوية هي التي توقف الانسان على واقعه الحقيقي وتعينه على تقييم نفسه وشخصيته بشكل صحيح وتحميه من آثار الخداع والتضليل الذاتي والاجتماعي نتيجة الاعتياد والادمان والخضوع للمؤثرات النفسية والعاطفية والاجتماعية وفي مقدمتها الانسياق وراء السلوك الجمعي والتوافق الاجتماعي - المعبر عنه في سورة يوسف ب «العصبة» - وما يمليه من افكار واجواء وممارسات وسلوكيات خاطئة ومضلله قد تصل الى مستوى الاقدام على القتل والاجرام فضلا عن الكثير من المحرمات والمنكرات والموبقات التي يمارسها الفرد بكل اصرار واندفاع وحماس وتعاطف وتواطئ وعصبية عمياء.

ان الجريمة التي اقدم عليها اخوة يوسف بالرغم من انتمائهم العائلي الرفيع ومكانتهم الروحية والاجتماعية لم تكن وليدة الصدفة وانما كانت نتيجة لمقدمات وعوامل واسباب نفسية واجتماعية وكان في مقدمتها مرض الحسد الفتاك وما ينتجه من امراض نفسية خطيرة وسلوك القطيع الذي يسهل تحريكه بنباح كلب مريض. نسال الله تعالى ان يلهمنا الرشد والبصيرة لتحرير عقولنا ومحاسبة ذواتنا واصلاح انفسنا بعيدا عن جميع العوامل والمؤثرات السلبية.

 

[1]  تحف العقول 457.