آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 1:39 ص

تساؤلات مسيحية وإجابات إسلامية

محمد يوسف آل مال الله *

في صباح إحدى أيام شهر ديسمبر من العام 1983 م وبينما كنت واقفًا في إحدى المطاعم في مدينة كانساس سيتي بالولايات المتحدة الأمريكية انتظارًا لدوري في الجلوس وإذا بثلاث فتيات يهمزن ويلمزن فيما بينهن. أيقنت حينها أنّهن يتحدّثن عنّي كوني لست أمريكيًّا ولاأشبههم وواضح أنّي عربي.

ما أن جلست على طاولة الطعام وإذا بإحداهنّ تشير إليّ بأن أشاركهن وأجلس معهن. لم أتردد في قبول تلك الدعوة وفرصة كبيرة كي أتحدث معهن لتقوية لغتي الإنجليزية إذ للتو تخرّجت من معهد اللغة وبدأت دراستي في الكلية.

بعد أن عرّفن بأنفسهن وعرّفتهن بنفسي بدأت الأسئلة منهّن عن السعودية والعرب والمسلمين والكثير من العادات والتقاليد وأنا أجيب على أسئلتهن برحابة صدر رغم رفضهن للعديد من عاداتنا وتقاليدنا وحتى بعض الأمور الدينية كالحجاب والتعدد.

التفت إليّ إحداهن وكان اسمها كمبرلي وسألتني: كلّنا يعلم بأنّ الله طلب من النبي نوح أن يصنع السفينة ولم يكن آنذاك ماءٌ ما جعل قومه يهزئون به فأنزل الله عليهم الماء من السماء حتى لم يعد لديهم المقدرة على النجاة إلاّ مَنْ ركب مع النبي نوح في السفينة. سؤالي: أين ذهب ذلك الماء؟

ابتسمت رغم أنّه ليس لديّ إجابة دقيقة ولم أسمع بهذا السؤال من قبل أو جوابًا له، فكان عليّ أن اجتهد مؤملًا أن تكون إجابتي مقبولة، فقلت... منه ما أصبح محيطات وبحور وأنهار ومنه ما مكث في باطن الأرض ومنه ما تبخّر ليكوّن الغيوم والسحاب.

بدا لي أنّ جوابي كان مقبولًا لديها فطلبت منّي أن التقي بوالدتها وهي امرأة ناشطة اجتماعية وعضوٌ في إحدى الكنائس في مدينة كانساس سيتي. رحّبت بذلك وتم تحديد الموعد مع والدتها وتم اللقاء.

لقد كان اجتماعنا بنّاء وجميلاً وشيّقًا، في حضور زوجها وابنتها، حيث تحدّثنا كثيرًا عن الشريعتين المسيحبة والإسلامية في جو من الاحترام والتقدير دام لأكثر من ثلاث ساعات، ما دعاها لتقديم دعوة لي لزيارة الكنيسة والاستماع إلى الحديث الأسبوعي والتعرّف على القسّيسوبعض أعضاء الكنيسة.

تمت زيارة الكنيسة بعد أسبوع من لقائي معها وبعد الاستماع إلى الحديث الأسبوعي تم توزيع شرابًا خاصًا على الحاضرين ولمّا قُدّمَ ليا متنعت عن تناوله خوفًا من أن يكون نبيذًا أو به كحول. ابتسمت والدة كمبرلي وعلّقت... هذا فقط عصير عنب خالي من الكحول، بل يمنع منعًا باتّا تناول الكحول في الكنيسة، ويعتبر من الممنوعات. أسعدني سماع هذا الكلام فتناولته وكان كما قالت.

بعد الانتهاء من هذه المراسيم توجهت معها إلى القسيس وعرّفتني له وأبدى سعادته بلقائي وتحدثنا لمدة نصف ساعة عن الشرق الأوسط بشكل عام وعن الإسلام والمسلمين بشكل خاص وعن إعجابه بالقرآن الكريم وبالخصوص الأمور الإعجازية والغيبية التي تحدّث عنها القرآن ولم يكتشفها العلماء إلاّ حديثًا حسبما أخبرني به.

رغم قصر المدة التي تحدثت فيها مع القسيس إلاّ أنّ معظمهم أبدوا احترامهم وتقديرهم للإسلام وأنّ ما يسمعون عنه من خلال الإعلام لا يمتل الحقيقة خصوصًا وأنّ البعض منهم لديه الرغبة في القراءة عن الشرائع الدينية الأخرى.

بعد أن غادرت الكنيسة شعرت بالراحة النفسية إذ قدّمت شيئًا يليق بالإسلام والمسلمين ويرفع شيئًا من الظلمة التي تطغى على البعض منهم. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ الحجرات «13».

بهذه الاستجابات وقبول الدعوات من الأطراف الأخرى والحوار الهادف معهم لابدّ وأن يتحقق المراد، بل قد يوصلك إلى تغيير الكثير من المفاهيم المغلوطة وحتى السلوكات الخاطئة. يقول سبحانه وتعالى: ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ، النحل «125»