آخر تحديث: 29 / 4 / 2024م - 5:05 م

”وآه عليهم“

علي العبكري

التاريخ يعيد نفسه.. جملة طالما سمعناها في البرامج التاريخية والوثائقية، وهي جملة تقارب الحقيقة شيئًا غير قليل.

تذكرت هذه الجملة ليلة البارحة عندما رددت جملة أخرى كنت أسمعها كثيرًا على لسان والديّ حفظهما الله وكان ذلك بعد مطاردة حامية الوطيس ومارثون مضني استخدمت فيه جميع أنواع الترغيب والترهيب مع ابنتي لتأخذ جرعة دوائها. فبعد أن عجزت جميع محاولاتي وأعلنت انهزامي ورفعت الراية البيضاء مسلمًا المسؤولية كاملة لوالدتها، لم أجد نفسي إلا مرددًا:

”الأولاد آه منهم وآه عليهم“

هكذا هي الحياة وهكذا هو الكون المستدير الدائم في دورانه إلى أن يشاء الرب الكريم.

ماكان يكابده آباؤنا وأمهاتنا منا يوم كنا صغارًا صرنا نقاسيه بدورنا عندما أصبحنا آباء، حتى التفاصيل الصغيرة والتي لم نكن نتوقع يومًا أن يطلب منا التدخل لحلها وفك طلاسم البروتوكولات المتبعة فيها واقناع تلك الرؤوس الجميلة العنيدة بها، فلماذا الولد الكبير هو من يجلس في المقعد الأمامي في السيارة دائمًا؟ ولماذا ينادونك

باسمه؟ وصولًا لمعارك داحس والغبراء التي تحدث كلما نوينا الخروج بالسيارة والسبب القرب من النافذة!

وانتهينا يوم أمس عندما قررت الخروج عصرًا فعقدت ابنتي مابين حاجبيها وقطبت شفتيها رافعةً لافتة احتجاج وعصيان بالبنط العريض قائلة: المقعد الأمامي هذه المرة لي أنا فلماذا هو دائمًا محجوز لأخويّ الكبيران؟!

فقمت بعد سماع ذلك بعمل مباحثات ومشاورات سلام استهلكت مني الكثير من الوقت والجهد وكادت غير مرة أن تنتهي بقرار ديكتاتوري صارم أو بقرار يقضي ب ”كنسلة“ الخروج. ولكن ولله الحمد تكللت مفاوضاتنا بجلوسها في المقعد الأمامي وكفى الله المؤمنين شر القتال.

ولم أجد نفسي بعد هذا كله إلا مرددًا:

”الأولاد آه منهم وآه عليهم“

جملة سمعتها عن والديّ وأنا ولد أرددها الآن وأنا والد وهكذا يعيد التاريخ نفسه.