آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 1:52 ص

وداعا بنت عمي زهراء

عبد العظيم شلي

تنفس الصبح والهواء أكسجين حزن، طائفة من رسائل أنباء الرحيل، زهراء شلي في ذمة الله، يا الله بنت عمي ترحل عنا، ما هذا الخبر الموجع، ما هذا النبأ المؤلم، تتوالى الاتصالات، وتنطلق الاستفسارات المعهودة كيف ومتى، تساؤلات حيرة، والأسى عصرة قلب.

السمع ثقيل، والاستيعاب تيه، تلعثم لسان، والكلمات ثقال.. تتزاحم عبارات المواساة من لفيف الأهل والأقارب والأصدقاء، أخوة ترسل التعزيات، نفوس مؤمنة بقضاء الله وقدره، تخفف وقع المصاب.

نبرات أصوات انين، تتناهى عبر الأثير. بنت عمي الجميلة خلقا وخلقا تغادرنا على حين غفلة! ما أقساك أيها الموت حين تقصف الأعمار وتأخذها بغتة وتترك في نياط القلب أحزانا وأحزانا.

يا ابنة عمي عبد علي.. أكان الموت يلوح لك قربا بعد أن خفتت نظارة وجهك حزنا على رحيل اختك خديجة قبل ستة أشهر والمعروفة عند جميع أفراد عائلة شلي باسم سلوى، هل فقدتِ طعم الحياة وهي تغادر عتبات دارك في تلك الليلة الموشحة بذكريات الصبا والمجللة بالضحكات، اجتمعتن على مائدة العشاء مع بناتك الملتفات حول خالتهن الكبرى وعند الباب وضعت ابنتك وجدان دهن العود على كف خالتها سلوى، تبسمت وقالت: ”يا بنت اختي هذه الريحة تبقى في اليد لمدة ثلاثة أيام“ كانت ليلة معطرة بآمال معلقة ترتسم بزغاريد الأفراح، لكن أسفر صبح بعد ثلاثة أيام بهلاهل النحيب! تلاشى العطر من راحة الكف وكأنه قرأ ما يضمره القدر، توقف نبض العروق عن مصافحة الحياة.. شمعة سلوى انطفأت دون مرض أو وجع، ما أقسى هكذا رحيل الذي يأتي فجأة دون استئذان، نفوس تغادر الحياة بصمت! وتظل القلوب مكلومة.

يا زهراء ذهبت أُختك الى بارئها وأودعتك الحزن مثقالا، فنال منك الفقد والمرض أيامًا وليالي، ستة أشهر ونيف تتقلبين بين الأوجاع والآهات على سرر المستشفيات، حتى مللت من رائحة المغذيات، وغدى الجسم نحيل، وبريق عينيك في خفوت. تعودين للبيت وتستردين مقدار عافية..

يا بنت عمي زهراء، كم اسمعتيني كلمات ”الله يعطيك العافية يا ولد عمي“ و”قواك الله“ و”سلمت يمناك“ وتتباهين أمام معلماتك والطالبات، هذه الوسيلة رسمها لي ولد عمي عبد العظيم، وسائل كانت تفرحك، وتبهجك مثل بقية القريبات من أهلنا، وسائل وقطايف مخملية زينت غرف المنازل والفصول.

سنين مرت وحينما نلتقي صدفة مع بناتك أو زوجك محسن حجيلان صديق الصبا وزميل الدراسة، تقولين لي أمامهم ”ولد عمي با جيب لك كرتونة وارسمها، يالله بعجل ترى معلمتي تبغاها بسرعة“، ما ظننت بأن عمرك يا زهراء سوف ينقضي بعجل، لماذا استعجلت الرحيل يا بنت عمي، وأي احساس انتاب أخاك عبد الحميد ليلة البارحة مع أخي عبد الحي في رحاب مجلس آل سيف بالديرة، الذي قال له شكلك حزين يا ابن عمي، يالله يا أبو أحمد اقرأ المولد وانسى الكدر، رد بتقطيب جبين، ليس لي خاطر ولا أعرف ما السبب، اجابة مكبوتة غدا ذكرى رحيل الوالدة! المصادف ذكرى يوم مولد الامام. انفض المجلس بالتبريكات لكن الحزن مرسوم على وجهك يا محمود لماذا؟ أي استقراء يخبئه القدر وكأن رسل المنية تحوم بالقرب من الأحباب.

يا بنت عمي حملتك ذات مرة من عند صابات حسينيتنا العريقة وأنت ابنة أربع سنوات لأرجعك للبيت، تبكين على كتفي وترددين صراخا ”أبغى أروح الى أبوي السوق“، قلت لك يا حلوة، الشمس حامية باوديك للماما.

ظهر هذا اليوم حملتك أيدي المشيعين الى مثواك الأخير، أتيت يا زهراء الى أبيك، لتقول له: جيتك يابوي، جيتك من بعيد، صار لي سنين ما شفتك، ها قد أتيت وجاورتيه لحدا، لتؤنسي وحشة الوالدين وسلوى. حين اقترب المشيعون من القبر، صاحت احدى النسوة وصدى صوتها يتردد بين جنبات المقبرة،

”الله الله على زهرة نزلوها اشوي اشوي، لا تروعوها“، وقبل أن يهل عليك التراب، نعاك حزنا ابن أختك صراط الشكر ”اذا مات الفتى المعزوز يا هي تصير زلزاله، ناس للقبر تحفر وناس تجيب شياله، ما غير الشهيد حسين داسه الشمر بنعاله“، بكاء يبرد الخدود من لهيب الشمس، ونحيب يطرق أبواب الدور الأبدية.

قدرك يا بنت عمي ترحلين يوم رحيل والدتك أم عبد الخالق، أبلغيها منا السلام.

عند أذان الظهر كل قرأ الفاتحة على قبرك الرطب المبلل بالماء والدموع. خرجت من المقبرة أقود سيارتي وتوقفت فجأة وكأني اسمع صوتك يناديني ”بكرة ولد عمي خلص لي الرسمة“، تعالي يا زهرة بثوب المدرسة تعالي ارسم لك ما طاب لك من وسائل، بالأمس تفننت بخط اسمك نقشا ولونا، واليوم أخط اسمك نعيا ".

الهي يرحم غربة بناتك وأولادك وزوجك الأخ العزيز أبو أحمد حجيلان.

رحمك الله يا زهرة يا بنت عمي رحمة واسعة وحشرك الله مع أم الحسنين الزهراء .

وإنا لله وإنا اليه راجعون.