آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 4:55 م

الرسالة لم تصل...

علي أحمد آل رضي

بعد عقود أربعة لا يزال صديقي ينتظر رسالة من معمل تصوير دولي تحمل أحلى صور ذكريات زواجه لكنها لم تصل ولعل الأسباب كثيرة ودون رمي الأمور كلها على عاتق طرف، الأمر سيان في كل ما يتيه ويتأخّر الوصول وحال صواب المعلومات والعنوان ترتفع إحتمالية وصول الرسالة ولو بعد زمن. إضافة إلى توفر بريد العمل البعد الإقتصادي في زمن الطيبين هو الذي ساهم لصديقي وغيره إلى إرسال أفلام الكاميرات إلى المعامل الدولية ليحصل على صور ملوّنة وعلى ورق ذو جودة عالية وبتكلفة منافسة. اليوم هذا الإجراء من النوادر مع وجود شريحة لا بأس بها تحتفظ ببعض الأفلام دون معالجة ومع التحوّل التقني لربما في منطقتنا ترتفع نسبة عدم إمكانية استخدام الأفلام واستخراج الصور ورقياً إلى الأبد. هذه القصة ربما حدثت أو تحدث الآن كذلك في بقع أخرى من العالم الثالث. الصورة غالية وتزداد غلاوة مع ازدياد ماضيها ومضمونها. نغفل أن بعض الإغراءات تنسينا إحتمالية المفاجآت.

كثير من الفعاليات تتكرّر عاماً بعد عام ويتطلب خلال الإعداد لها جهوداً كبيرة حتى تنال رضا المستفيدين والمتابعين ومن عوامل الجذب والإستقطاب والمشاركة المحافظة على رتابة العمل وقوّته مع التطوير والتجديد الممنهج والمتعاقب، دون المساس برؤية المؤسسين والرسالة والأصالة التي سطّروها دون مشاورتهم. نفخر بالعديد من اللّجان التي انطلقت بتوازن وحافظت على تألّقها عقود ونأمل الإستمرار في أداء الرسالة بنجاح ومؤازرة المجتمع. الملاحظات والإقتراحات التي تصل للقائمين على الفعّاليات يجب ألاّ تهمل بل أن يكون هناك رد وتوضيح حال عدم إمكانيّة تنفيذها والأفضل أن تأخذ طريق المراجعة والتقييم لمدى إمكانية القبول والإضافة وبما يجسّد الشراكة المجتمعية. غالباً تكون الملاحظات عبارة عن وضمات مخلصة وذات قيمة من مهتمّين. إنتقال المسؤولية من جيل إلى آخر لا مناص منه وبما يواكب التطورات وحيوية النشاط وتجدّد الأفكار.

مع التحضّر وإتّساع القرى والمدن تتباعد الأسر عن بعضها مما أدّى إلى تراجع عدد ما يسمّى بيت الأسرة ”البيت العود“ لإنتقال الأخوة إلى أحياء متعددة والتباعد السكني والإجتماعي. على مدى عقود ونحن نقرأ شكاوى المواطنين فيما يخص تأخَر انجاز الخدمات الرئيسة ومشاكل تخطيط شوارع الحي وانعدام سبل الترفيه كالحدائق وملاعب الأطفال وغيرها، وهكذا ملاحظات ورسائل نرى أنها تتكرر في كل حي جديد وعلى ساكنيه ألاّ يتوقعوا توفّرها دون رسائل ومتابعة جدّية مستمرة. هذه الخدمات الضرورية من الأولى ان تكون محل إهتمام كل المعنيين باعتماد مخططات الأحياء والحرص على إنجازها او اعتمادها على الأقل قبل اصدار تصاريح البناء. لدينا أحياء نموذجية في بعض المدن منذ نصف قرن وأكثر، لذا يمكن أن تكون كل الأحياء نموذجية ومتكاملة!

ثمة اختلاف يطرحه البعض نحو بعض عناوين فئات المجتمع ويسعى بما يستطيع من قوة إلى التأثير على المجتمع أن هؤلاء لا يستحقون المكانة التي وضعتموهم فيه من تقدير وتبجيل، وهذه الرؤية ليست جديدة ولكنها تطفو كل موسم وترددها ذات الألسن ثم تتبخّر كالزّبد. غالباً النهج الإقصائي ناتج من الشعور بالنقص والخسران الظنّي وأن الآخر ينال أكثر مما يستحق مقابل فئات أخرى من محدودي التواصل مع المجتمع ولديهم رؤية مغايرة ساهم في هذه النزعة المختلقة. الإختلاف يكبر متى ما صاحبه إساءة وتشنّج ويذوب عندما يناقش بهدوء وإحترام عبر رسائل وتواصل مباشر أو غير مباشر، ولا يوجد كمال في اي فئة مهما علا قدرها وشأنها وهذا من طبيعة البشر التفاوت في المقدرة والمهارة والمعرفة. ولا جدال أنّ العلو والإنفراد بعيد عن منال الجميع والعلاقة بين الفئات في الأصل هي تكاملية إنسانية لا تصادميّة حتى لا ينشغلوا ببعضهم البعض وتختفي انجازاتهم وتبقى المساهمة الفعّالة في المردود النفعي المجتمعي هو الفيصل.

مما لاشكّ فيه أن الإدراك عند الإنسان يزداد مع العمر وبالتجربة، فالرضيع نظرته إلى أبيه تكون محدودة تحت عنوان الحنان والأمان الدائم لا المقتصر على أيام الضعف، وعند الكبر ترتفع النظرة إلى البر والعون ما أمكن. ولا جدال أن النظرة مع النضوج الفكري تكون متقدّمة على ما سواها من الجهل وعدم الإلمام ببواطن الأمور. كما أن بين الآباء والأبناء من العلاقة لا يقيّدها ظرف ولا حالة حيث كل نمط العلاقات شاملة ومطلوبة بشكل مطلق منهم وإليهم وفي كل الظروف والأزمان. هكذا علاقة تكون شاملة ودائمة بين الفرد والمربّي والأستاذ وترتقي الرسالة إلى العلاقات الإنسانية المحترمة الواجبة مع كل إنسان في الكون، حيث الأصل السلام والمحبة بين كافة الناس لا العداوة والكره. والإنسان خلق ليتعارف مع البشر ولعل في التعارف مسارات معرفية لا متناهية متى بادر الفرد واستغلّ تواجده مع نظيره في الخلق بطرق أبواباً معلوماتيّة متعدّدة. السفر يتيح فرصة الإلتقاء والحديث والتعرّف على الآخر وهو أهم من التمتّع الوقتي بمنظر خلّاب يتكرّر في مواقع كثيرة.

النظرة المستقبلية للأعمال يبدو أنها تتغيّر بخصوص مفهوم المرسل والمستقبل من منظور برمجة الإجراءات حيث كل الموظفين بما عليهم من مهام سيكونوا ملزمين بتتبّع خطوات تنفيذية في أعمالهم دون هدر للموارد. عدم الإستعداد للمستقبل يعني أننا نعود إلى الخلف في قائمة الدول النامية لا سمح الله في ذات الوقت الذي تستخدم الدول المتقدمة الآلات والروبوت «الإنسان الآلي» ما أمكن لإنجاز الأعمال. علينا أن نتأمل مصير المهن الحرفيّة التي تتلاشى رويداً رويدا في المدن الصناعية الكبرى. لا أحد يستطيع أن ينكر أن قبول التقنيات وإدخالها في جلّ الإنتاج دون موازنة وقيود لها آثار سلبية على العمالة والمِهَن. لمحاكاة ما يجري لربما علينا أن نهيّئ الآن أطفالنا وأحفادنا لينافسوا إنتاج الآلات والروبوت. المسؤولية هنا بيد من، المربّي أم المعلّم أم المجتمع؟

ثلّة قليلة فقط تصلها حقيقة الرسائل مهما كانت مُعنوَنة أو عامّة، مسموعة أو مقروءة.