آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 1:39 ص

وداعا أسطورة كرة القدم «22»

عبد العظيم شلي

يتساءل المتابعون والمهتمون والمتعطشون، بسؤال شبه موحد، متى سيعود «البيبي دي أورو - Ei pibe de oro» - أي الفتى الذهبي - للملاعب، وهل تماثل للشفاء حقا؟

الأنباء شتى، والأقوال متباينة، الصحافة تتفنن في الرصد والتخمين والتعجيل والتقدير، قريبا، بعيدا، أزمنة مفتوحة تطلق وتحت عناوين جاذبة.

ومن ”بوينس آيرس“ أخبار تتوارد، بتطمينات بأن الفتى في طور التأهيل الحركي المتقدم، بعد خضوعه لتمارين متدرجة ومتواصلة، وربما لا يحتاج لبلوغ المدة المقررة علاجيا.

وهناك محللون يقولون عكس ذلك، بأن الفتى يحتاج لفترة نقاهة اضافية فوق المدة المقررة ب 6 اشهر، من أجل تماسك العظم والتئام الكسر تماما، بالتزامن مع العلاج الطبيعي، لتأهيل العضلات والمفاصل لتصبحا أكثر مرونة.

جرعات يومية من التدريبات المكثفة مقسمة بين المنزل والمشفى، اكتسب خلالها لياقة مأمولة وقوة بدنية عالية.

سباق أخبار أخرى مقربة من الفتى تقول، قريبا سيطل نجمه في سماء الملاعب ولن يحتاج لتلك المدة الممنوحة لراحته، تباين أنباء حول زمن العودة المحملة بالتفاؤل، لكن السؤال الحائر عند المتلهفين لعودته المنتظرة، كيف سيعود؟

هل بكامل طاقته وحيويته المعهودة، تباشير ملؤها الانتظار وحالات ترقب، مسبوغة بقلق، هل يقوى على الجري مثل ما كان؟

ثمة خشية تتلون بفرضيات، ربما سيفقد شيء من لعبه، بعضا من فنه، أم أن الإبداع كامن فيه ولا خوف عليه، المسألة مجرد وقت والشغف طاقة صبر.

إن العيون مساحة شوق لرؤياه كيف سيكون، والظنون رمشة عين لا تبرح التصورات والتخيلات المتفاوتة، حنين المتفرجين يزداد ويكبر، ولهفة المحبين عجلى ولسان حالها يقول: متى يعود البدر لينير سماء وحشة الملاعب.

جاء قول الفصل من وكيل اعماله ”خورخي بييلر“ عبر التلفاز، بأن ”البيبي دي اورو“ لن يكمل فترة الراحة الممنوحة له من قبل الأطباء والمقدرة ب 6 اشهر، لقد اكتسب الصلابة والقوة خلال 90 يوما وباتت عودته قريبة جدا.

وبالفعل عاد «البيبي دي اورو» لمزاولة معشوقته الكرة بعد مرور 3 أشهر ونصف «106 أيام»، من لحظة اجراء عملية الكاحل مرورا بالعلاج والتأهيل، وبالفعل تأكد الأطباء بأنه قادر على اللعب بكل أريحية وطمأنينة، أعطوه الضوء الأخضر نحو الانطلاق.

عزم وتفاؤل واصرار قاده لاختصار زمن الشفاء. إن الايحاء الذاتي واستنهاض القدرات يأتيان بالمعجزات! أما الاستسلام والعجز والخضوع للوهم، شراك توقع صاحبها في مغبات اليأس وتؤخره عن بلوغ الركب.

عاد الفتى والشوق يملأ جوانحه وكل كيانه، انطلق نحو الميادين بروح الجائع والعطشان، راكضا كالطير المحلق في السماوات.

عودة كبرياء، والمسرة تعانق جماهير برشلونة، تزفه قائدا بأناشيد فرح وطرب. عاد لصفوف ناديه والصحب يشدون أزره وكل الرفاق. وينخرط في أولى المباريات بعد رحلة التشافي الطويلة القصيرة، مباراة ضمن سباق الدوري الذي يوشك على الإنتهاء جاءت أمام فريق اشبيليه على أرضه وبين جماهيره، امتلأ الملعب عن آخره، من أنصار ومشجعي الفريق الأندلسي، حين نزل الفتى لأرضية الملعب وقبل بدء المباراة بدقائق حيته كل الجماهير لمجرد اطلالته، شوق عند العيون المنصفة التي تحب كرة القدم دون تعصب.

تنقل الفتى بين جنبات الملعب، بقفزات غزال يتراقص على العشب الأخضر، ومن رجليه اليسرى يودع الكرة في الشباك هدف أول ثم أردفه بثان، هلل المشجعون الذين يحبون الكرة بتجرد بأن محبوبهم بخير، ورجلاه لم تفقد تصويباتها المتقنة.

والشيء المدهش أن جماهير اشبيليا ورغم هزيمة فريقها حيّت الفتى بتحية عاصفة من الحب والتقدير والاعتزاز، مشهد يحيلنا اعجابا وابهارا لنفوس راقية تأنس حبا للفن الكروي الخالص، مشهد غير معهود، يخيل للمرء بأن الفتى كأنه أحد أبناء مدينة اشبيليا البررة، هل هي تحية لعودة لاعب أبعد عنوة نتيجة قسوة مفرطة، أم تحية طمأنينة بأن سحر مهاراته الفريدة لم تزل في أمان، هي تحية صدق للاعب فنان أسر القلوب بابداعاته؟.

وعن هذه اللحظات يقول مارادونا: «عدت الى اللعب بعد التعافي من اصابة خطيرة في كاحلي، وشاركت في مباراة أمام اشبيليا في 8 يناير عام 1984 وسجلت هدفين، وطلب الجمهور اخراجي من الملعب لتحيتي، كان من أعظم الهتافات التي سمعتها في حياتي، المدرجات كلها تهتز باسمي»، هي أول مباراة يخوضها بعد عودته شبه العجائبية.

أصبح شعب البلوجرانا فرحا بعودته القوية المتسمة بالتحدي والعنفوان، ويرونه المنقذ لبقية المواجهة القادمة بحصد النقاط للظفر بالدوري، وتأتي المباراة

الثأرية بالنسبة لمارادونا حينما سجل هدفين في مرمى اتليتك بلباو -2 مقابل واحد لصالح البرشا - ارتياح نفسي ساد أجواء كاتلونيا وعند الفتى روح معنوية عالية، بكسر أنفة الاتلتيك وتنفيس غل وكبت مما أصابه من هذا الفريق تحديدا ومن جزاره المتوحش.

وصفت صحيفة الغاردن الموقف ب ”الانتقام البارد، لكن المهمة لم تنجز بعد، فوز برشلونة لم يكن كافيا لمنع بيلباو من الفوز بلقب بطولة الدوري الاسباني متقدما بنقطة واحدة على برشلونه“.

أسفر نهاية الدوري بفارق نقطة هي الأغلى، أهلت انتصارا لاتليتيك بلباو على كل الفرق الاسبانية تفوق بدرع الدوري لعام 1984، نصر تحقق لهم فخرا، لأنه جاء بأقدام محلية ضمن نطاق اقليمهم فقط، الذي يعتبر تاريخيا بأنه اقدم موطن لشعوب القبائل الأوروبية.

تباهت الجماهير الباسكية بمنجزهم الرياضي وطبول الكبرياء بلغت أقصى مداها، لكن التحدي قائم على أشده بما هو قادم حينما يتواجه الفريقان الكتلوني والباسكي ثانية عما قريب، وأي مواجهة ستكون؟!.