آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 11:51 ص

الصالح العام والصالح الخاص وما بينها سماوات وأرضين بين متابعين الأول ومعجبين الثاني

هالة الشماسي

الصالح الخاص عند الإنسان ومصلحته الخاصة أولوية قوية بين العموم البشري..

أما اللهث وراء الصالح العام فهو معنى قيم سامي عند الإنسان وحاضر بين الشعارات البشرية ولكنه ذو أولوية ضعيفة بين الجموع البشرية..

الإنسان يولد على فطرته وقد يكون ما فيه من حب الذات ما يكون والبناء لها والتخطيط ووضعها الهدف الأول غالباً بحياته وليس هذا ما أعنيه بالأنانية أو التحصيل على حساب الآخرين لا بل محبة النفس العادية الجارية عادةً بين البشر..

وهذا ما يجعل مشاة طريق الصالح الخاص أغلبية ساحقة بين البشر.

أما أصحاب طريق اللهث وراء الصالح العام والذين يجرون وراء تحقيق الصالح العام الخالص هم أقلية قليلة..

حيث يجرون في هذا الطريق ويلهثون في الطريق كالأحصنة في السباق ولا ينظرون ولا يلتفتون يميناً ولا يساراً لمصالحهم الخاصة..

هدفهم الكبير الصالح العام والخير الكبير بكل معانيه من عدل وسلام وتطور وحضارة للعالم من حولهم..

وهؤلاء كان منهم والدي الراحل باقر الشماسي..

أبي كان اهتمامه بمصالح ومستقبل أهل بلده كان يأتي الأول دائماً بحياته والسعي وراء مصالحه الذاتية كان كانت يأتي دائماً في مراتب ثانوية...

أفنى حياته في كفاح وكتابات ومطالبات بحقوق أهل بلده..

لم أراه يهتم في حياته في لحظة وغير وهو يفكر بالصالح العام سواء كان على مستوى بلاده أو الوطن العربي شاملةً..

حتى شاشة التلفاز لم أراها يوماً يستخدمها للمتعة مثل غيره كمشاهدة مثلاً أي منتج ترفيهي قد تعرضه تلك الشاشة بل كانت دائماً له فقط مصدر لتعقب أخبار الوطن العربي فيحزن لكل حزين صغير أو كبير قد يحدث داخل الحدود العربية ويفرح لكل خبر قد يعود بخير لمواطنيها..

والدي ليس نبياً ولكنه إنسان خلق مفطوراً مجبولاً على حب الغير والتضحية لهم ولم يستطيع أن يخالف تلك الفطرة أبدا..

قلبه يحمل الكثير وعقله مستنير ومتقدم بالفطرة على زمنه..

ومع حب الغير فطر أيضا على إدمان القراءة وجبل على حب الكتابة..

ومع اجتماع قلب وعقل كهذين وُجد وطني عظيم..

هكذا يوجد الوطنيون الحقيقيون في الحياة على مدار الأزمان هكذا يوجد اللاهثين وراء تحقيق الصالح للعام..

وفي الحقيقة هم من بهم ترتقي الشعوب ويرتقي الإنسان وبدونهم تسقط الشعوب في هاوية الخذلان..

مثلهم مثل العلماء وصانعين التكنولوجيا حيث بهم تتطور الآلة في يد الإنسان وأنا هنا أقول الآلة وليس الإنسان..

لأن مسار تطور الآلة ليس بالضرورة مسار تطور الإنسان لأنها قد تكون له وقد تكون عليه وقد تكون لغيره دوناً عنه فهي في النهاية ستباع لمن يدفع..

لكن الوطنيين يركضون وراء صالح الإنسان لأنهم يسعون وراء تحقيق العدل لمن حولهم وبالعدل يستقيم حال البشر..

العدل في كل شيء في الحقوق في المادة في العلم..

في الحقيقة الوطنيون مهووسين بالعدل ورؤية المجتمع ينعم بالعدل..

وبرؤية غيرهم يحصلون على كل هذا فهم يعتبرون أن هم حققوا مبتغاهم في الحياة..

إذا رايت أمة من حولك تنعم بالعدالة والخير والحضارة فاعلم أن تاريخها كان مليء بالوطنيين العظماء والعكس صحيح..

إذا رأيت أمة تنعم بالظلم والظلام فاعلم أنها لم تنعم بذاك العدد من الوطنيين المخلصين..

الحسبة بسيطة وواضحة لكن ما يعتمدها هي شهرة التاريخ..

لأن اللاهث وراء الصالح العام الحقيقي لا يحصل لا على شهرة ولا مجد ولا تكريم على الأقل في فترة حياته..

بينما من يحصل على المجد والشهرة وتعود على الاحتفال بأمجاده فهذا لا يمكن أن يكون وطني عظيم لأن اللاهث وراء الحق العام لا يسعى وراء المجد والشهرة فلا يتحصل عليها ولا يحظى بتلك الاحتفالات..

وتذكر دائماً أن التاريخ يكتبه المنتصرون.. لهذا صعب أن يكون التاريخ حقيقي دائماً..

ولهذا وبسب تلك المعادلة بين غمور لاهث الصالح العام وشهرة الزائف قد تكون سبب ما أرى من حزن في حياة والدي الكاتب المكافح العظيم الكبير وحزن عليه يحفر في قلبي..

والدي أنت لست فقط والد أنت كاتب وأستاذ تاريخه حافل بالوطنية والكفاح لأهل بلدك والحياة والأحداث..

حياتك يا والدي عالم كبير وقد تكون ملحمة بحد ذاتها..

ولكن يظل الابن لا يعرف كل شيء عن حياة والديه، وكنت كل ما أكبر اسمع عنك وعن حياتك وعن تضحياتك وعن خدماتك لمجتمعك وعن كفاحك للغير وعن قصصك ولحمياتك الكثير..

وعلى الرغم عن كل ما أخبرتني عنه في حياتك فقد كان نقطة من سيرة أخبارك

لذا قد لا أستطيع أن أقص تاريخك مثلي مثل من عاصروك وعاصروا كفاحك الوطني ولكني لم أرى في حياتي معك إلا حياة وطني ولم أسمع منك إلا كلام وطني مخلص ولم أرى منك غير صفات فارس شجاع أصيل ونبيل..

قد حولت طفولتي لمنتدى سياسي وثقافي حيث كانت نقاشاتنا وتساؤلاتنا في القضايا الجدلية فكرياً في المنزل لا تتوقف..

ومازال التساؤل والنقاش الفكري دائماً حاضر بمنزلنا وعندما نتناقش تضحك أمي وتقول جميع أبنائي ورثوا صفات والدهم..

لهذا لا نستطيع الفراق عن بعض لأنك نادر وأعطيتنا صفاتك النادرة منك التي قد لا نراها في الآخرين فنشتاق لوجودها عند بعضنا فيزداد اشتياقنا لبعضنا كإخوة ولا نطيق الفراق..

ولكننا لن نستطيع أبدا يا أبي في أن نصل لك في ندرك وفي إيثارك للعالم من حولك على نفسك وتكبدك الصعاب من أجل الغير..

أخبرني يا والدي العزيز كيف أجزيك حقك ولو القليل، أخبرني كيف أجزيك حق عطاءك وكلماتك وثقافتك وتضحياتك..

كيف أنصفك وافعل ما لا يفعله التاريخ لأبطاله

أخبرني يا والدي الراحل..

ابنتك المحبة
هالة الشماسي