آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 12:12 ص

الأكاديميات وتعزيز الخبرات الطلابية

حسن المصطفى * صحيفة الرياض

ربما يجانب الصواب من يعتقد أن الجامعات هي أماكن للتعلم بمعناه التقني وحسب.

البعض يقدم تصوراً للأكاديميات وكأنها مساحات يحضر فيها الطلاب من أجل تلقي المعلومات، والنقاش مع الأساتذة والزملاء، والقيام بالتجارب المخبرية، وبذلك يحصلون على التفوق والشهادة التي تؤهلهم ولوج سوق العمل!

هذه رؤية تنطوي على كثير من القصور، لأن الكُليات والمعاهد العلمية دورها أكبر بكثير من مجرد تعلم الطب والهندسة واللغات والبرمجيات وسواها من العلوم التجريبية أو النظرية.

الآن ومع التقدم التقني ووفرة المعلومات، أصبح بإمكان الطلاب التعلم عن بعد، سواء من خلال البحث في شبكة الإنترنت والمواقع المختصة والفيديوهات التي تنتشر بالملايين وبمختلف اللغات، في علوم مختلفة، صحيح أن ليس جميع هذه المواد ذات قيمة علمية فائقة، لكنها كما المواد التي في عدد من الجامعات، تضم المتون الرصينة والأخرى السطحية.

مع جائحة كورونا، ساد التعليم عن بعد، وباتت الجامعات تقدم مقرراتها الدراسية للتلاميذ وهم في منازلهم، وبالتالي، يستطيعون الحصول على المعلومة ومن ذات الأساتذة.

هذا دور ”أداتي“ محدود للوسط الأكاديمي، لا يكتمل دون وجود الطلاب في الحرم الجامعي، وخوض تجربة حياة جديدة، يعتمدون فيها على أنفسهم، بعيداً عن حضن الأهل، ويتلقون فيها باقات الورد ولكمات الدهر في آن معاً، كي يميزوا بين السليم والسقيم.

الجامعات هي فضاءات لخوض غمار تجارب حياتية، والتعرف على ثقافات وأفكار وطرائق تعبير عن الذات مختلفة عن تلك التي اعتادها الفرد في أسرته أو قريته أو مدينته التي قدم منها.

عندما يأتي الطالب من دولة إلى أخرى، أو مدينة بعيدة في ذات الدولة، ويختلط بزملاء جدد، وأساتذة من جنسيات وأديان ومذاهب وأعراق مختلفة، كل ذلك يضعه أمام حقيقة لا يكفي أن يسمعها نظرياً: أن البشر متنوعون ومختلفون. بل من المهم أن يعيش هذا الاختبار، ويسقط فيه وينجح، وتصيبه صدمات معرفية، لأن هذا التدافع الثقافي - الاجتماعي هو ما يقود لاختبار النظريات، ويجعل الطالب ذا وعي متصاعد، وليس مجرد فرد يتلقى معلومات دون أن يتلمس مفاصلها.

هذه التجربة لا يمكن أن تحدث، عندما تكون الجامعات مجرد مؤسسات مخصصة للخريجين من ذات المنطقة أو المحافظة، فهم كمن يعيش ضمن مجتمع مغلق وإن في شكل أكاديمي أكثر تطوراً من مراحل الدراسة الابتدائية والمتوسطة والثانوية.

إن اقتصار الجامعات على طلاب المدن والمحافظات التي تقع فيها، معناه حرمان هؤلاء من خوض تجارب حياتية ضرورية لهم في سِنيِ التكوين الرئيسة، وبالتالي حشرهم ضمن ثقافة ”الغيتو“، وتصوير المجتمع وكأنه واحدٌ على شاكلتهم، فيما هو على العكس تماماً، مختلف، متعدد، به الكثير من نقاط التلاقي والتباين، إلا أن وجود الطلاب المختلفين معاً هو ما يمنحهم القدرة على فهم بعضهم البعض، وبالتالي إمكانية التعايش سوية، والبعد عن التعصب والكراهية والعنصرية.

أكثر من ذلك، عندما يكون الطلاب يدرسون في ذات المدينة التي تعيش فيها عائلاتهم، لن يستطيعوا تكوين شخصية مستقلة، لأنهم سيبقون في كنف الأسرة، محاطين بعنايتها، يهربون لها لتحل المشكلات، وتعطي المال، وتؤمن المأكل والمسكن! أي مزيد من الاتكالية، ما يجعل شخصية الطالب لينة العريكة، تنكسر في مواجهة أول عاصفة أو نائبة من نوائب الدهر.

الجامعات من المهم أن تكون مختلطة، تشرع أبوابها وفق قواعد محددة علمية أمام مختلف الطلاب، لكي يعيشوا معاً، ويتعرفوا باكراً أن وطنهم، السعودية، دولة تضم ثقافات وعادات وتقاليد عدة، وأن هذا التنوع مصدر ثراء وقوة، وهو ما يجب أن يُعزز، كي تتجاوز الأجيال القادمة ”الهويات الضيقة“، وتصنع هويتها الوطنية المشتركة.