آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 1:39 ص

عاشوراء الحسين (ع).. نهضة عالمية

عبد الرزاق الكوي

تبقى نهضة الإمام أبو عبدالله الحسين بن علي بن أبي طالب عصية ان تكتب وأن يصل العقل الى مكنونها، فالعقل البشري المحدود بامكانياته ان يصل تفكيره ليحتوي عظمة هذه النهضة المباركة بجميع ابعادها منذ أن بكى الرسول ﷺ حفيده كان الإعلان المبدئي لهذه النهضة المباركة، كانت حياة الإمام تهيئة لذلك المشروع الرباني منذ ولادته مرورا بمجرى حياته المباركة حتى كانت الانطلاقة من المدينة المنورة مرورا بمكة المكرمة ووصولا الى العراق على أرض تسمى كربلاء، كلها أسرار ربانيه في قائدها وفي تفاصيلها ولحظاتها وماواكبها من احداث خلال الرحلة حتى الشهادة، فهذه النهضة فوق أي وصف يتكامل أو يحدها حد، فالإدراك المحدود يبقى في حدوده الضيقة وتبقى النهضة مجال واسع للتأمل والقراءه والبحث والاكتشاف والتعلم والغور أكثر في عظمة أسرارها، نهضة صمدت على امتداد التاريخ في وجه أيدي عملت على موتها وفناءها وتزييفها وإضعافها وتخرج في كل وقت أكثر قوة وإشراقا، تحاكي قلوب الإنسانية وتملك العقول، تتجلى فيه أسمى المعاني والمبادئ الربانية في نهضة شاملة لسعادة الإنسانية.

تحدث عن عظمة هذه النهضة الرسول الأكرم ﷺ، ومن بعده أئمة أهل البيت ، ولازالت الأقلام تكتب والعلماء يبحثون والفقهاء ينتجون والكتاب على مختلف أديانهم يشاركون في الخوض في معترك نهضة الإسلام الثانية، كانت الأولى على يد الرسول ﷺ، والثانية على يد حفيده الإمام الحسين «حسين مني وأنا من حسين» ويبقى «الإسلام محمدي الوجود وحسيني البقاء»، كانت الرسالة الإسلامية المنعطف الأول والنهضة الحسينية المكملة والمحافظة على وجودها واستمراريتها، شاهدا حيا وشامخا يكشف الزيف والمزيفين والمتزلفين، حفظت الإسلام وصانت الدين، اختار الامام عز الإسلام على حفظ الأنفس، فكانت فتحا مبينا يعلو صداه أرجاء المعمورة في نداء لبيك ياحسين.

اختار الله تعالى لهذه النهضة من الأهداف أشرفها، ومن القيم أنبلها، ومن المناهج أوضحها، ومن الرجال أكرمهم، تحت ظل سيد شباب أهل الجنة، فكانت نورا يضئ سماء الإنسانية، تجسدت فيها المبادئ مع المعاناة مع مخطط تم تجهيزه وإعداده لضرب قوى الرسالة الإسلامية من جذورها، وهدم الدين والرجوع للجاهلية، فكانت نهضة عظيمة متواصلة مع أنفاس المحبين والتواقين للعدالة والقيم فكانت الانموذج الحي والصادق.

اليوم تنعم الإنسانية بفيض هذه النهضة المباركة التي حفرت ينابيع من الهداية وجداول من الخير وروافد من العطاء من أجل مجتمع يعيش حياة كريمة، العطاء بالنفس يرسخ واقع لا يتغير يثبت مع مرور الأيام، ليكون نباته أن تحقق العدالة لجميع البشرية، الوصول للعطاء بالنفس معناه انتهاء الحلول او تقديم تنازل أو مناطق وسط، بل تجسيد الشجاعة في أعظم معانيها والتضحية باسمى تجلياتها والعطاء بأبهى صوره، نهضة متكاملة المتطلبات سديدة المنطق ورجالا تيقنوا بما هم فيه عرفوا الله تعالى حق المعرفة فألهموا الصبر وتحلوا بالفداء وحملوا أرواحهم على أكفهم كان عطاءهم لله وحده ونصرة دينه واستمرار راية الإسلام خفاقة، احدثوا التغير ليس في زمانهم بل نهضتهم المباركة يعم خيرها الأرجاء ويأخذ كل صاحب مبدأ من عطاءها، ليسدد انحراف واقعه في الأخذ من نبع نهضة الإمام الحسين ، أمانه تحمل من جيل الى جيل ومن مجتمع الى مجتمع أوقفت نهضة الحسين الانحدار والانحراف حتى اليوم تحارب كل اعوجاج في حياة التواقين للعيش بكرامة، حارب العودة للجاهلية واليوم تقاوم هذه النهضة جاهلية العصر تكشف سبل الضلال وترسخ قيم الحق، كل من اتبع هذه النهضة المباركة فاز ونجى ومن حاربها خاب وفشل، بقت ثابته رغم حجم الحروب التي شنت والمؤامرات التي حيكت، معلنة الإرادة وسبيل الحق ينتصر على قوة السلاح ومكر الماكرين.

جاءت من بعد نهضة الامام الحسين على أرض كربلاء نهضات لم ولن ترتقي الى مصاف تلك النهضة العظيمة، بقت نموذجا للسلم والسلام لحياة كريمة، تدعو للاستقامة قدم فيها الامام الحسين خلاصة ما قدمه الأنبياء والرسل فكان الوارث لهم لم يرضى الا بقمة العطاء وعظمة التضحية غير مستوحش الطريق لقلة سالكيه خرج من بيئة فيها جده رسول الله صلى الله عليه واله وامام المتقين يعسوب الدين وقاهر الكافرين أمير المؤمنين ، صغر في نهضته كل شيء دون الله تعالى فأنتصر بعد ما عاش الطمأنينة في قلبه انه على الحق، خالف التوقعات وواجه الواقع ووقف في وجه الجمود فكانت نتائجها لوحة ابداع خط مسيرتها بالدماء فعانقت السماء، تحررت من كل قيود الدنيا وارتفعت بالنفس بالارتباط الوثيق والصادق بين العبد وخالقه، فكانت الأمل والمستقبل في أبهى صوره وتجلياته، قصيدة يتغنى بها كل مطالب للعدل والمساواة والحقوق المشروعة التي سلبت لتغيير من واقع سيء الى واقع أفضل، وضع خياره أن يبقى سنوات وتموت القيم وتنتهي المبادئ ويمحو الدين وينحرف الإسلام عن مساره، فقدم نفسه الطاهرة ليحيا الدين وتنعم بفيضه الإنسانية.

استحقت النهضة الخلود والبقاء الأبدي ليس فقط بارتباط قائدها بالنبي محمد صلى الله عليه واله، بالعطاء اللامحدود بقت وأنتجت مسيرات من التطور والنهوض، استحقت هذه النهضة الخصوصية والقداسة والمكانة لم تصنعها الظروف بل صنعت الحاضر وفتحت آفاق للمستقبل.