آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 1:39 ص

حبيب بن مظاهر الأسدي (ع) والوفاء بالعهد

محمد يوسف آل مال الله *

قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، التوبة «111»

يُعرّف الوفاء بالعهد على أنَّه تنفيذ العهود، وعدم النكوث بها، ويتوقف العهد على إبرام عقد، أو إعطاء عهد، ويكون واجب الشخص تجاه ذلك العقد احترامه، والالتزام به، فالوفاء بالعهد أساس كرامة الإنسان وسعادته، وهو صفة من صفات العظماء وسلوك حسن ويُعد من مكارم الأخلاق التي أمر بها الله سبحانه وتعالى، وأمر بها الرسول المصطفى صلّى الله عليه وآله وحثّ عليها في العديد من جوانب الحياة.

الوفاء مصطلح عام وفيه عدة أنواع، ففي كل جانب من جوانب الحياة تجد الوفاء عنوانًا لذلك الجانب، فهناك الوفاء بالعهد وقد تكون وفاء بالعقد أو الميثاق، وقد تكون وفاء بالوعد، فالوفاء بالعهد صفة راسخة في نفس الفرد تقوم على أساس طهارتها وعلو قدرها وله أربعة أنواع؛ فهناك الوفاء بالعهد مع الله سبحانه وتعالى، والوفاء مع رسول الله صلّ الله عليه وآله والأئمة الطاهرين ، والوفاء مع النفس، وأخيرًا الوفاء مع الناس في الأقوال والأفعال. هذا الأخير من الوفاء يُفضي إلى صلاح المجتمع واستقراره، كتحصيل التقوى، فالوفاء بالعهود إحدى صفات المتقين الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه الحكيم، وتحصيل الأمان الدنيويّ، وحقن الدماء، وحفظ حقوق العباد، وكذلك تكفير السيئات والفوز بالجنة والرضوان.

لقد تجسدت هذه الصفة وهذا السلوك في أصحاب الإمام الحسين حتى ظهر ذلك في قوله وهو يصفهم: ”فإني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيرًا من أصحابي ولا أهل بيتٍ أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عني خيراً“. هذا الوصف بكلمة ”أوفى“ بيّن مكانتهم عنده وجعل الوفاء سمة من سماتهم وصفاتهم العالية.

فحبيب بن مظاهر الأسدي يُعتبر أبرز شخصية في أصحاب الإمام الحسين تجسّد فيها الوفاء بالعهد فهو ومنذ آخر حرب خاضها مع أمير المؤمنين وهو ينتظر تلك اللحظة التي يسمو خلالها ويرتقي بها أعلى مراتب الوفاء بالعهد، حتى وصله رسول الإمام الحسين فأعد عدته وجهّز نفسه وانطلق نحو كربلاء متخفّيا كي لا يراه أعداء الله ورسوله، باذلاً في الإمام الحسين مهجته وموطّنًا لله نفسه.

مما لا شك فيه أنّ حبيب بن مظاهر الأسدي أوفى بعهده واستجاب لنداء سيّده وإمامه وتحقق بذلك حلمه الذي لطالما كان ينتظره بعدما سمع من أمير المؤمنين . هذا حبيب وهذا وفاؤه بعهده، فمتى تكون هذه القيمة سمة من سماتنا وسلوكًا نعمل به حتى نكون ممن وصفهم الله في كتابه ﴿وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ؟؟