آخر تحديث: 26 / 4 / 2024م - 1:52 ص

رسالة مفتوحة إلى الشيخ نزار آل سنبل

حسين العلق *

قبل أيام طرح سماحة الشيخ حسن الصفار، في محاضرة عاشورائية إشارة عابرة إلى عدم دقة المقولة المنسوبة إلى أحد أصحاب الإمام الحسين، وهو الشهيد البطل عابس ابن أبي شبيب الشاكري، والذي نُسب إليه القول: ”حُبُّ الحُسينِ أَجَنَّنِي“. خلاصة رأي الشيخ الصفار أن هذه المقولة نسبها للشاكري مؤلفٌ معاصرٌ هو الشيخ أسد حيدر في كتابه ”مع الحسين في نهضته“، كما وردت في ”أدب الطف“ للسيد جواد شبر، وهو من المعاصرين أيضًا، ولا أثرَ للعبارة المذكورة في كتب العلماء المتقدمين طيلة 1300 عام الماضية. بعدها ثار جدل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، اتسمت فيه بعض التعليقات بالعقلانية، فيما جنحت أخرى نحو الانفعال، وهذه الأخيرة لا شأن لنا بها هنا.

من بين مختلف التعليقات ارتأيت أن أقف على واحد منها، وهو تعليق سماحة الشيخ نزار آل سنبل. ومردُّ ذلك إلى كون الشيخ باحثًا ومؤلفًا، له العديد من التقريرات لأبحاث علمائية رفيعة، فكان متوقعًا بالنسبة لكثيرين، ومنهم كاتب السطور، أن نجد في تعليق سماحته مزيدًا من الإثراء لساحة النقاش العلمي حول المسألة المثارة من قبل سماحة الشيخ الصفار. غير أن ما وجدناه في تعليق الشيخ آل سنبل، والذي ظهر في فيديو مسجل، جاء على غير المتوقع، وذلك لعدة أسباب، سأوردها اختصارًا:

الأول: لم يلامس الشيخ آل سنبل جوهر المسألة المثارة ولو بكلمة واحدة. إن جوهر المسألة المثارة هو عدم صحة ورود عبارة ”حُبُّ الحُسينِ أَجَنَّنِي“ عن عابس ابن أبي شبيب الشاكري، فكان متوقعًا من أي معلق إما أن يقبل بالرأي المطروح، أو يرده وفق دلائل قوية يرتئِيها هو، ويتفهمها كل باحث منصف، إلا أن الشيخ آل سنبل لم ينبس ببنت شفة حول هذه المسألة، لا مُصحِّحًا ولا مُخطِّئًا!. وعوضًا عن ذلك ذهب إلى موضوع آخر لا صلة له بالمسألة، وهو ما سأتناوله في سطور لاحقة.

سماحة الشيخ آل سنبل، وهو المطلع على علم المنطق، أظنه يعرف جيدا معنى المغالطات المنطقية، وأخُص منها بالذكر تلك القائمة على التحريف، والتي أفضّل عدم التفصيل فيها احتراما لمقامه.

الثاني: أثار الشيخ آل سنبل مسألة البلاغة وأدواتها في الخطاب العام، من كناية ومجاز، غير أنه لم يكن موفقًا على هذا الصعيد أيضًا، فموضوع البلاغة واستعمالاتها ليست من أبسط البديهيات التي يدرسها طلاب المدارس الثانوية، فضلًا عن خطباء المنابر، وخاصة منهم الذين أفنوا أعمارهم في هذا المجال، ومع ذلك لو استرسلنا مع الشيخ آل سنبل في هذا الموضوع ”بالرغم من عدم صلته بالمسألة المثارة أصلًا“، فلنا أن نقول إن سماحته يعلم جيدًا بأن موضوع الكناية والمجاز ليسا بابًا مشرعا، وما ينبغي الولوج فيه كيفما اتفق، فهناك من مدح أحد الخلفاء ذات يوم بالقول: ”أنت كالكلب في حفاظك للودّ ** وكالتّيس في قِراع الخطوبِ“، فهل لك يا شيخ أن تذهب لأي حاكم اليوم وتقول: أنت كالكلب أو كالتيس؟!، أم هل تستسيغ وصف أحد أساتذتك من العلماء الكبار بالكلب أو المجنون كنايةً عن وفائه وحبه لأهل البيت؟!، أم ستكون هذه من ”البلاهة“ عوضا عن البلاغة!.

الثالث: وعلى قول المناطقة: ”النتيجة تتبع أخس المقدمات“، مضى الشيخ آل سنبل في توجيه اتهام مباشر مفاده بأن من ينكر المجاز فهو متأثر بالضرورة بالمدارس المذهبية الأخرى، وقد كانت هذه الذروة في كلامه والخلاصة الأخيرة التي أرادها. وهنا نقول إن سماحته ذهب بها عريضة كما يقال، فالمسألة المثارة كانت مجرد مقولة تاريخية في الأصل، وكان المطلوب منكم إما إثباتها أو نفيها والرد عليها، لا أقل ولا أكثر، أما الذهاب إلى حد الاتهام وتوجيه الطعون الشخصية فهذا أمر يثير ألف علامة استفهام!. وهنا يتضح جليًّا من الذي يأخذ من المدارس الأخرى ”من حيث يشعر أو لا يشعر“ والتي من ديدنها وصم الآخرين وإلقاء التهم على عواهنها دون مسوّغ ولا مبرر، سوى ما نعلم وتعلمون!

وأخيرًا، نقول للجميع أنه في خضم السجالات العامة، ليس هناك أسوأ من الردود الارتجالية والمستعجلة، إذ في هذه الحالة غالبًا ما تكون روح ”الأنا“ طاغية، وعقلية الاصطفاف مسيطرة، ونزعة إرضاء الأتباع حاضرة، وهذه بمجملها عوامل كفيلة بأن تأخذ أي حوار، إلى خارج سياق الموضوعية والرأي العلمي المجرد، على نحو يرقى إلى المناكفة وتصفية الحساب، وذلك ما يخدش الأمانة العلمية لدى المتكلم. هدانا اللهُ وإياكم إلى سواء السبيل.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 9
1
هديب بن حرحد
[ القطيف ]: 17 / 8 / 2021م - 9:13 م
احسنت وجزاك الله خيرا
رأيت مقاطع من مجلس حسيني يتأسف لعدم تنفيس ما في صدرهم عبر الهجاء ....اين الادب واين الاخلاق مع الخلاف بين المؤمنين وآية رحماء بينهم ومن الجلي جدا وجود الشخصنه في هذه المقاطع ولا الاخذ بحديث احبوه وابغضو عمله
2
حبيب السهو
[ تاروت ]: 17 / 8 / 2021م - 10:30 م
هذا المقال مصداق للمثل القائل ( يبغى يكحلها عماها )
اخي الكريم :
هناك علم يستفاد منه البناء وانارة درب العتمة وهناك ثرثرة وغوغاء بكلمات مصفوفة فائدتها لا تتعدى ظل الانسان نفسه.
وهنا اذكر كاتب المقال ومن يعنيه بمقالته ( كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ « سورة الرعد –الآية17.
3
تاروتي
[ تاروت ]: 17 / 8 / 2021م - 11:05 م
بارك الله فيك

4
ابو محمد
[ Qatif ]: 18 / 8 / 2021م - 4:55 ص
احسنت وبارك الله فيك الاستاد الفاضل وكثر الله من امثالك
5
ابو علي
[ تاروت ]: 18 / 8 / 2021م - 9:59 ص
اولا
هذا الكلام نقله الشيخ الصفار كخطيب ينفي هذه العبارة وغيره من الخطباء يثبت العبارة ولكن ليس على وجه القطع

ثانيا
الخوض في هذا الأمر لأهل التحقيق وأما اعتمادك أن هذا سبق صحفي للشيخ الصفار فهو اشتباه

ثالثا
اخذتها عريضة وكتبت كتابة مصفوفة ببعض العبارات الجوفاء
ولكن الجيل المتدين القديم يعلم ما الهدف من طريفة الرد

رابعا
قد تقول: لماذا لا ترد على كلام الشيخ الصفار؟
الجواب: لانه فقط ناقل كأي خطيب وبوجهة نظري الرد عليه يعطي الموضوع اكبر من حجمه في الوسط الخطابي وهو موضوع تحقيق لا غير

خامسا
كلمة تصفية حسابات ما هي إلا كلمة لا يفهمها الجيل في هذا الزمان
فإذا ممكن تنزل موضوع في جهينة
ما هي الحسابات التي تتكلم عنها؟
ومن تجاوز الحدود الشرعية وهتك المؤمنين؟
ومن انت في وسط هذا الكلام
6
جشاوي
[ الجش ]: 18 / 8 / 2021م - 12:38 م
من المفترض ان لا يطرح مثل هذه المواضيع المشتته للمجتمع وسماحة الشيخ نزار سنبل اكبر من هذه التراهات
7
عبد الله
19 / 8 / 2021م - 6:07 ص
عظم الله اجوركم جميعاً

قول الكاتب المحترم : (إن جوهر المسألة المثارة هو عدم صحة ورود عبارة ”حُبُّ الحُسينِ أَجَنَّنِي“ عن عابس ابن أبي شبيب الشاكري) غير صحيح بل هناك امران طرحهما الشيخ الصفار وهما:
ورود المقولة
ومعناها
وكان التعرض للورود اشبه بالكلام العرضي لان مصب كلامه هو المعنى كما هو واضح لمن شاهد المقطع.
ورد الشيخ السنبل كان مختصراً (دقيقتين) وناظرا الى الامر الثاني الذي هو الجوهر في الحقيقة.

فبناء على ان النتيجة تتبع اخس المقدمات لم تكن الرسالة المفتوحة للشيخ نزار موفقة
وهناك امور اخرى وردت في كلام الكاتب اعرض عنها لضيق المقام وقد تعرض لها بعض الكتّاب فيما نشروه تعليقاً على كلام الاستاذ حسين.
8
كمال الحيدر
[ تاروت ]: 19 / 8 / 2021م - 7:16 م
حقيقة يا أحبتي ان هناك كثير من الشيعة إعتبروا هذه المقولة جزء من الشريعة و راحوا يقومون بتصرفات مجنونة و اضافوها الى الشعائر ( في العراق تحديدا) و لما تسألهم يردوا بهذه المقولة. لذلك وجب الرد و التصدي.
9
علي عباس
[ القطيف ]: 20 / 8 / 2021م - 1:52 ص
التعليق رقم 7 للاخ عبدالله

الشيخ سنبل هرب من الاعتراف بعدم ورود عبارة (حب الحسين أجنني) عن عابس بن شبيب، لان الاعتراف سيهدم كل الطقوس (الجنونية) التي استندت اليها.

وحتى لو افترضنا انه اراد توضيح المعنى من كلام الشيخ الصفار فقد جاء التوضيح (البلاغي) ركيك وسطحي وهو ما اشار له الكاتب في الفقرة الثانية، ولهذا كان كلامه مصداق (النتيجة تتبع اخس المقدمات)
كاتب سعودي