آخر تحديث: 8 / 5 / 2024م - 10:28 ص

أراجيز الطف «10»

محمد أحمد التاروتي *

تطرق شبيب بن عبد الله النهشلي في ارجوزته، التي ارتجلها في ساحة الطف، الى عدة مضامين تشمل البشارة الواضحة بملقاة سيد الرسل ﷺ، بالإضافة الى التمسك بالمنهج الصافي والواضح، فضلا عن السعادة الأبدية في الخلود في جنة الفردوس.

الارجوزة لم تتجاوز 10 كلمات في بيت واحد، ولكنها كشفت المعدن الأصيل لدى شبيب النهشلي، من خلال الاندفاع الكبير في ساحة المعركة، وعدم التردد او الخوف من رؤية الألوف، التي تتحفز لارتكاب الجريمة الكبرى، والمتمثلة في قتل سبط الرسول الاكرم والثلة من اهل بيته ، فالشهيد شبيب ليس شخصا مجهولا لدى اهل الكوفة، حيث يعد من الابطال في ساحات القتل، فقد اشترك في جميع حروب امير المؤمنين التي خاضها ابان خلافته، اذ لم يتخلف عن معارك الجمل وصفين والنهروان، خصوصا وانه يعتبر من تابعي سيد الاوصياء .

تكشف الارجوزة التي نظمها بمجرد نزوله لمنازلة الجيش الاموي، بعض الصفات التي يتجلى بها على الصعيد الشخصي، فهو يعد من نساك اهل الكوفة، جراء كثرة الصلاة والتهجد، الامر الذي يتمثل في الشطر الأول من البيت الذي ارتجزه يوم عاشوراء، حيث يناول البشارة السعيدة المنتظرة، نتيجة التضحية بالنفس في سبيل نصرة الامام الحسين ، فالاغراءات والإجراءات التعسفية، التي اتخذها عبيد الله بن زياد، لم تقف حائلا امام الوصول الى الامام الحسين ، والقيام بالواجب الديني تجاه حجة الله على الأرض، اذ يقول في الشطر الأول ”أبشر هديت الرشد تلقى أحمدا“، فالمفردات المختارة تحمل وصفا دقيقا للمصير الابدي، من خلال استخدام كلمة ”ابشر“ مما يعطي دلالة على وجود يقين ثابت، ان ملقاة سيد الأنبياء ﷺ ليست محل شك او تردد، وبالتالي فان الوقوف الى جانب الامام الحسين ليس عاطفيا، او نتيجة عوامل عشائرية او قبيلة، او غيرها من العوامل الأخرى، فالعملية مرتبطة بالمبادئ الدينية بالدرجة الأولى، مما يحفز على الاقدام والتضحية بالنفس، في سبيل الفوز بالجنان الى جوار الرسول الاكرم ﷺ.

في الشطر الأخير من الارجوزة تناول الدرجات، التي تنتظره في جنة الفردوس، حيث يعتبر القتال في نظرة سيد الشهداء ، طريقا نحو الارتقاء للدرجات العالية في جنان الخلد، وبالتالي فان معركة الطف الخالدة ليست كالمعارك الحربية، التي خاضها انصار الحق ضد الباطل، ولكنها تحتل مكانة مغايرة تماما، فالخلود الذي ينتظر شهداء كربلاء بات مشاهدة العين، حيث تحمل كلمات الشطر الثاني من البيت الذي ارتجله الشهيد شبيب، مفردات ”العلو“ و”الصعود“، مما يعطي رؤية كاملة للطريق الذي اختاره منذ مشوار حياته، فقد سخر ذاته في الولاء لاهل البيت ، منذ نزول سيد المتقين في الكوفة، حيث استمر في اظهار الولاء التام لاهل البيت ، واختتمت بالوقوف بجوار سيد الشهداء على عرصة كربلاء، في مواجهة جيش عمر بن سعد، اذ حرص الشهيد شبيب على القتال الشديد في مقارعة المعسكر الاموي، من اجل ملاقاة الرسل وفي مقدمتهم افضل الرسل ”احمد“، حيث يقول الشطر الثاني من الارجوزة ”في جنة الفردوس تعلو صعدا“، فالمفردات تتناول المقام الرفيع الذي ينتظر شهداء الغاضرية، فالدرجات العالية ستكون من نصيب انصار سيد الشهداء ، مما يجعل الجميع يغبط هذه الثلة القليلة التي صدقت ما عاهدت الله عليه، وعدم خذلان الامام الحسين في ساحة الوغى يوم عاشوراء.

وتنقل كتب السير ان شبيب النهاية البصري انحدر في ساحة الطف وهو يقول:

ابشر هديت الرشد تلقى احمدا ### في جنة الفردوس تعلو صعدا

كاتب صحفي