آخر تحديث: 9 / 5 / 2024م - 12:28 ص

اراجيز الطف «11»

محمد أحمد التاروتي *

استخدم الشهيد ضرغامة بن مالك، في ارجوزته التي ارتجلها في ساحة الطف، مفردات بسيطة ولكنها ذات مغزى عميق، فقد تضمنت الابيات كلمات تحمل التعريف بالذات، وكذلك المفردات الدالة على عمق الولاء، والتعلق بسيد الشهداء عبر استخدام ”الكرام“، فيما انتقل في البيت الثاني من ارجوزته الى الثواب الجزيل الذي ينتظره، بمجرد نيل الشهادة في سبيل الله ونصرة العترة الطاهرة .

الابيات التي نظمها الشهيد ضرغامة بن مالك، لا تختلف في سياقها العام عن مجمل الاراجيز، التي ارتجلها انصار سيد الشهداء ، في معركة كربلاء الخالدة، الامر الذي يعطي دلالة واضحة على السياق المبدئي الذي يوحد جميع الأنصار، في الدفاع عن اهل البيت ، والوقوف في وجه التيار الاموي، والمتمثل في جيش عمر بن سعد، وبالتالي فان المبادئ الراسخة التي يحملها معسكر الامام الحسين ، تبدو واضحة للعيان من خلال المفردات التي يطلقها الشهداء، عند النزول في ساحات الوغى، وكذلك في الخطب التي القاها الأنصار قبل بدء القتال.

ينطلق الشهيد ضرغامة بن مالك في ابياته من التعريف بالذات، بهدف وضع الجيش المقابل في الصورة، واحداث حالة من الوجل والخوف في العدو، خصوصا وان غالبية الجيش الاموي على دراية تامة بمدى شجاعته، فهو من الشخصيات التي حرصت على التمسك بالمواقف المبدئية، وعدم التنازل عن نصرة الحق، من خلال الوقوف مع مسلم بن عقيل منذ وصوله الى الكوفة، وبالتالي فانه حرص في ابياته على التعريف بالنفس، حيث استخدام كلمات واضحة لا تحمل اللبس على الاطلاق، فقد اختار المفردات البسيطة، والعميق في الوقت نفسه، ”إلىکم مِنْ مالک الضِرْغام“.

فيما يحمل الشطر الثاني من البيت الأول، الكثير من القيم والمعاني العديدة، من خلال استخدام عبارات تحمل في طياتها الكثير، من العزم والاقدام والشجاعة، فهذه الكلمات لا تحتوي الخوف على الاطلاق، لاسيما وان اختيار مفردة ”الضرب“ تعكس صورة الشجاعة التي يتحلى بها، فهو يتحرك بعزم وثبات في انزال العقاب في العدو بكل قوة، بهدف الانتصار للحق الذي يجسده سيد الشهداء ، بالإضافة لذلك فان الشطر الثاني يحمل عبارات شديدة الوقع على النفس، من خلال الإصرار على تضمين الارجوزة، على مفردات ذات مضامين عميقة، والتي تعكس الالتزام الديني الذي تحمله شخصية الشهيد ضرغامة بن مالك، فهو يتحدث عن الأهداف التي تدفعه للوقوف بجانب سبط المصطفى ﷺ في يوم عاشوراء، عبر استخدام ”يحمي عن الكرام“، مما يعطي دلالة على وجود اهداف سامية، تحفز على بذل النفس رخيصة في سبيل الله، خصوصا وان سيد الشهداء يمثل الإسلام الحقيقي في وجه الإسلام الاموي، فهو يقول في الشطر الثاني ”ضَرْبَ فتىً ىَحْمى عَن الکرام“.

في الشطر الأول من البيت الثاني، ينتقل الشهيد ضرغامة بن مالك الى الجانب الرباني، والعلاقة مع الخالق، فالقتال مع الامام الحسين يمثل المصداق الحقيقي للذوبان في طاعة الله، كونه حجة الله على الأرض، مما يفرض على المسلم النصرة وعدم الخذلان، خصوصا وان معركة الطف تمثل ”الفتح“ المبين، وبالتالي فان الاستشهاد تحت راية سيد الشهداء فوز كبير، مما يعني نيل الثواب الجزيل وتخليد الاسم في ذاكرة التاريخ، حيث يقول في البيت الثاني ”ىَرْجو ثَوابَ اللَّه بالتمام“، فالكلمات تكشف القناعة الراسخة بالطريق الذي اختاره، وعدم اظهار الندم في الالتحاق بركب سبط سيد الأنبياء ، لاسيما وانه خرج مع معسكر الكوفة نحو كربلاء، ثم مال عنهم والتحق بالإمام الحسين .

يختم الشهيد ارجوزته في الشطر الأخير من البيت الثاني، بالابتهال الى ”العلام“ بقبول عمله، واحتسابه ضمن كوكبة الشهداء في يوم الطف، فنصرة سيد الشهداء ليست لأغراض دنيوية، او عوامل قبلية او غيرها من العناصر الأخرى، ولكنها خالصة لوجه الله تعالى، فهو لا يملك في يوم عاشوراء سوى دمه لتقديمه في سبيل الله، حيث يقول ”سبحانه من مالك علّام“، فالمفردات تعكس مدى التعلق الكامل بالخالق في جميع الاعمال.

وفي يوم عاشوراء برز ضرغامة بن مالك إلى معركة القتال وقتل جماعة كثيرة، حيث ارتجز:

إلىکم مِنْ مالک الضِرْغام === ضَرْبَ فتىً ىَحْمى عَن الکرامِ

ىَرْجو ثَوابَ اللَّه بالتمام ==== سبحانه من مالك علّام

كاتب صحفي