آخر تحديث: 8 / 5 / 2024م - 4:19 م

ارجوزة الطف «13»

محمد أحمد التاروتي *

يتناول حيان بن الحارث البارقي الأزدي في ارجوزته، التي نظمها في معركة كربلاء، احد المبادئ الأساسية في حياة المسلم، وكذلك في حياة البشر بشكل عام، حيث يركز على الوفاء بالعهد، والاستعداد للتضحية بالذات في ذلك، لاسيما وان نكث العهود من الصفات الذميمة للإنسان، فما بالك بالمرء المسلم الذي يحمل القيم الأخلاقية والمبادئ الفاضلة، التي تحث على أداء الأمانة وصدق الحديث، وعدم التزحزح عن الوعود المقطوعة، مهما كانت الأسباب والاخطار، سواء على الصعيد المادي او المعنوي.

اثبت الشهيد حيان بن الحارث التزامه بالعهد، في القتال الشديد الذي اظهره في يوم عاشوراء، فضلا عن الإصرار على الالتحاق بركب سيد الشهداء في كربلاء، اذ لم تحل الجيوش الجرارة التي ملأت صحراء الغاضرية، من قدرته في الوصول الى معسكر الامام الحسين ، والقتال بين يديه، حيث حاول الحر بن يزيد الرياحي منعه وأصحابه، ولكنه لم يستطع، اذ توج الوفاء بالعهد بالشهادة تحت راية مظلوم كربلاء.

انطلق الشهيد حيان بن الحارث في الشطر الأول من ارجوزته، بالتعريف بالذات بمجرد نزوله ساحة القتال، حيث حرص على إيصال رسالة واضحة للعدو، بان الإجراءات التعسفية والممارسات القمعية، وحظر التجول الذي مارسه عبيد الله بن زياد، فشلت في الوصول للهدف، فهو يبرز للقتال لنصرة سبط المصطفي ﷺ، بالإضافة لذلك فان اهل الكوفة يعرفون هذه الشخصية المتمرسة في القتال، الامر الذي يحدث حالة من الهلع والخوف في النفس، وبالتالي استخدام الحالة النفسية وسيلة لحصد اكبر عدد من الرؤوس في النزال، اذ يقول ”أنا حيان أنا ابن الحارثِ“.

فيما ينتقل في الشطر الثاني من البيت الأول، الى احدى سماته الأخلاقية التي تربي عليها، ويحرص على تجسيدها في مختلف الممارسات الحياتية، حيث يعتبر يوم عاشوراء اجلى مصاديق اظهار هذه الصفة الأخلاقية، فهو يستخدم مفردات واضحة ولا تحمل اللبس، او الغموض على الاطلاق، من خلال التركيز على صفة الاقدام والشجاعة، واستبعاد الجبن والخذلان على الاطلاق، حيث استخدام مفردة ”خوّار“ والتي الجبن والخوف، وبالتالي فان الرغبة في القتال تنطلق من المبادئ التي يحملها، بالإضافة لذلك فانه اختار كلمة ”ناكث“، والتي تحمل في طياتها الكثير من القيم الأخلاقية، خصوصا وان النكث بالعهود من شيم اللئام وعدمي المروءة، اذ يقول في الشطر الثاني، ”لست بخوّار ولا بناكث“.

بينما يتطرق الشهيد حيان بن الحارث في الشطر الأول من البيت الثاني، الى البيعة التي تطوق عنقه تجاه سيد الاوصياء ، حيث يعتبر من أصحاب الامام علي بن ابي طالب ، لذا فانه لم يتنازل عن البيعة التي عقدها في عنقه، اذ تمثل معركة كربلاء استكمالا لتلك البيعة الواجبة، خصوصا وان سيد الشهداء يمثل الامتداد الطبيعي لبيت العصمة، مما يفرض الالتزام الكامل بمتطلبات البيعة واعلان الولاء، والاستعداد التام للتضحية بالنفس، في سبيل نصرة الحق وعدم التهاون في قتال الأعداء، لاسيما وان عبيد الله بن زياد اظهر الوجه القبيح من خلال الأساليب، التي استخدمها تجاه مسلم بن عقيل، اذ يقول ارجوزته ”عِن بيعتي حتى يقوم وارثي“

في الشطر الأخير من البيت الثاني، يستخدم الشهيد حيان بن الحارث مفردات ذات دلالة واضحة، على الاستعداد التام للقتال حتى النفس الأخير، فهو على استعداد لتقطيع جسده أشلاء صغيرة على صحراء كربلاء، كتجسيد عملي للوفاء بالعهد الذي قطعه في نصرة سيد الشهداء ، فالشهادة شرف عظيم لا يناله الا ذو حظ عظيم، بينما يعلو شأن الشهادة في نصرة اهل بيت النبوة ﷺ، وتحت راية الامام الحسين ، حيث يقول ”من فوق شلو ٍ في الصعيد ماكثِ“.

وينقل التاريخ ارتجز ابيات الشعر حينما خرج للقتال:

أنا حيان أنا ابن الحارثِ ## لست بخوّار ولا بناكث

عِن بيعتي حتى يقوم وارثي ## من فوق شلو ٍ في الصعيد ماكثِ

كاتب صحفي